الثلاثة الأيام جعل بدلا من الهدي عند عدمه بهذه الشريطة، فغير جائز إثباته بدلا إلا على هذا الوصف، ألا ترى أن التيمم لما كان بدلا عن الماء لم يجز لنا أن نقيم غير التراب مقام التراب عند عدمه مثل الدقيق والأشنان ونحوهما؟ كذلك لما جعل الصوم بدلا عن الهدي على أن يفعله على صفة، لا يجوز أن نقيم مقامه صوما غيره على غير تلك الصفة، وليس كذلك حكم الصلوات الفوائت، لأنا لم نقم القضاء بدلا منها عند عدمها وإنما هي فروض ألزمها عند الفوات.
فإن قيل: شرط الله تعالى صوم الظهار قبل المسيس فإن مسها لم ينتقل إلى العتق، كذلك صوم هذه الأيام وإن كان مشروطا في الحج فإن فواته فيه لا يسقط ولا يوجب الرجوع إلى الهدي. قيل له: من قبل أن صوم الظهار مشروط قبل المسيس والنهي عن المسيس قائم قبله وبعده، فالصفة التي علق بها فعل البدل موجودة فلذلك جاز، والحج الذي علق به جواز البدل الذي هو الصوم غير موجود لأن الحج قد فات ففات فعل الصوم بفواته، وأيضا فإن ظاهره يقتضي سقوطه بوجوده قبل المسيس، ولولا قيام الدلالة من غير الآية على جوازه لما أجزناه. ومن الناس من لا يوجب كفارة الظهار بعد المسيس، وأظنه مذهب طاوس، ولكنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي المظاهر عن الجماع بعد المسيس حتى يكفر، والله أعلم.
ذكر اختلاف الفقهاء فيمن دخل في صوم المتعة ثم وجد الهدي قال أصحابنا: (إذ وجد الهدي بعد دخوله في الصوم أو بعد ما صام قبل أن يحل فعليه الهدي ولا يجزيه غيره) وهو قول إبراهيم النخعي. وقال مالك والشافعي: (إذا دخل في الصوم ثم وجد الهدي أجزأه الصوم وليس عليه هدي) وروي مثله عن الحسن والشعبي. وقال عطاء: (إذا صام يوما ثم أيسر فعليه الهدي، وإن صام ثلاثة أيام ثم أيسر فليس عليه هدي وليصم السبعة).
والدليل على صحة القول الأول قوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) ففرض الهدي قائم عليه ما لم يحل أو يمضي أيام النحر التي هي مسنونة للحلق، فمتى وجده فعليه أن يهدي وبطل صومه. ومعلوم أن الهدي مشروط للإحلال لأنه لا يجوز أن يحل قبل ذبح الهدي، لقوله تعالى: (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) فمتى لم يحل حتى وجد الهدي فعليه الهدي، لأن الله تعالى لم يفرق في إيجابه الهدي بين حاله قبل دخوله في الصوم وبعده، ويدل على أن الهدي مشروط للإحلال قوله تعالى: (فكلوا منها وأطعموا البائس