أنه لا يشهد إلا بحق فليشهد). وقال الشافعي: (إذا ذكر إقرار المقر حكم به عليه أثبته في ديوانه أو لم يثبته، لأنه لا معنى للديوان إلا الذكر). وقال في كتاب المزني: (إنه لا يشهد حتى يذكر).
قال أبو بكر: قد ذكرنا دلالة قوله تعالى: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) ودلالة قوله تعالى بعد ذكر الكتاب: (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا) على أن من شرط جواز إقامة الشهادة ذكر الشاهد لها، وأنه لا يجوز الاقتصار فيها على الخط، إذ الخط والكتاب مأمور به لتذكر به الشهادة. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) [الزخرف: 86] فإذا لم يذكرها فهو غير عالم بها، وقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) [الإسراء: 36] يدل على ذلك أيضا. ويدل عليه حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع) وقد تقدم ذكر سنده. وأما الخط فقد يزور عليه، وقد يشتبه على الشاهد فيظن أنه خطه وليس بخطه. ولما كانت الشهادة من مشاهدة الشئ وحقيقة العلم به، فمن لا يذكر الشهادة فهو بخلاف هذه الصفة، فلا تجوز له إقامة الشهادة به. وقد أكد أمر الشهادة حتى صار لا يقبل فيها إلا صريح لفظها ولا يقبل ما يقوم مقامها من الألفاظ، فكيف يجوز العمل على الخط الذي يجوز عليه التزوير والتبديل؟! وقد روي عن أبي معاوية النخعي عن الشعبي فيمن عرف الخط والخاتم ولا يذكر الشهادة: (أنه لا يشهد به حتى يذكرها). وقوله تعالى: (أن تضل إحداهما) معناه: أن ينساها، لأن الضلال هو الذهاب عن الشئ، فلما كان الناسي ذاهبا عما نسيه جاز أن يقال: ضل عنه، بمعنى أنه نسيه. وقد يقال أيضا: ضلت عنه الشهادة وضل عنها، والمعنى واحد. والله تعالى أعلم.
باب الشاهد واليمين اختلف الفقهاء في الحكم بشاهد واحد مع يمين الطالب، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وابن شبرمة: (لا يحكم إلا بشاهدين ولا يقبل شاهد ويمين في شئ). وقال مالك والشافعي: (يحكم به في الأموال خاصة).
قال أبو بكر: قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) يوجب بطلان القول بالشاهد واليمين، وذلك لأن قوله (واستشهدوا) يتضمن الإشهاد على عقود المداينات التي ابتدأ في الخطاب بذكرها، ويتضمن إقامتها عند الحاكم ولزوم الحاكم الأخذ بها لاحتمال اللفظ للحالين، ولأن الإشهاد على العقد إنما الغرض فيه إثباته عند التجاحد، فقد تضمن لا محالة