منفعة للمسلمين، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه يجرئ المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل فيقتلون وينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو ولا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم، فكذلك إذا طمع أن ينكي غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك، وأرجو أن يكون فيه مأجورا، وإنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه وإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية، ولكنه مما يرهب العدو، فلا بأس بذلك، لأن هذا أفضل النكاية وفيه منفعة للمسلمين. والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره، وعلى هذه المعاني يحمل تأويل من تأول في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة بحمله على العدو إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه من غير منفعة عائدة على الدين ولا على المسلمين. فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) [التوبة: 111] وقال: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [آل عمران: 169] وقال: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) [البقرة: 207] في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بذل نفسه لله. وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رجا نفعا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهداء، قال الله تعالى: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) [لقمان: 17]. وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله). وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر). وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن الجراح، عن عبد الله بن يزيد، عن موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عبد العزيز بن مروان قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع) وذم الجبن يوجب مدح الإقدام والشجاعة فيما يعود نفعه على الدين وإن أيقن فيه بالتلف، والله تعالى أعلم.
باب العمرة هي فرض أم تطوع قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) واختلف السلف في تأويل هذه الآية، فروي عن علي وعمر وسعيد بن جبير وطاوس قالوا: (إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك). وقال مجاهد: (إتمامهما بلوغ آخرهما بعد الدخول فيهما). وقال سعيد بن جبير