يكونوا سموه بذلك ليفرقوا بينه وبين خنزير البر وكذلك كلب الماء وكلب البر سواء لا فرق بينهما، إذ كان الاسم يتناول الجميع وإن خالفه في بعض أوصافه، والله أعلم.
باب تحريم ما أهل به لغير الله قال الله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله) ولا خلاف بين المسلمين أن المراد به الذبيحة إذا أهل بها لغير الله عند الذبح، فمن الناس من يزعم أن المراد بذلك ذبائح عبدة الأوثان الذين كانوا يذبحون لأوثانهم، كقوله تعالى:
(وما ذبح على النصب) [المائدة: 3] وأجازوا ذبيحة النصراني إذا سمى عليها باسم المسيح، وهو مذهب عطاء ومكحول والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب، وقالوا: (إن الله تعالى قد أباح أكل ذبائحهم مع علمه بأنهم يهلون باسم المسيح على ذبائحهم). وهو مذهب الأوزاعي والليث بن سعد أيضا. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك والشافعي: (لا تؤكل ذبائحهم إذا سموا عليها باسم المسيح). وظاهر قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله) يوجب تحريمها إذا سمي عليها باسم غير الله، لأن الإهلال به لغير الله هو إظهار غير اسم الله، ولم يفرق في الآية بين تسمية المسيح وبين تسمية غيره بعد أن يكون الإهلال به لغير الله وقوله في آية أخرى: (وما ذبح على النصب) [المائدة: 3] وعادة العرب في الذبائح للأوثان غير مانع اعتبار عموم الآية فيما اقتضاه من تحريم ما سمي عليه غير الله تعالى. وقد روى عطاء بن السائب عن زادان وميسرة، أن عليا عليه السلام قال: (إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا، وإذا لم تسمعوهم: فكلوا فإن الله قد أحال ذبائحهم) وهو يعلم ما يقولون.
وأما ما احتج به القائلون بإباحة ذلك لإباحة الله طعام أهل الكتاب مع علمه بما يقولون، فليس فيه دلالة على ما ذكروا، لأن إباحة طعام أهل الكتاب معقودة بشريطة أن لا يهلوا لغير الله، إذ كان الواجب علينا استعمال الآيتين بمجموعهما، فكأنه قال: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ما لم يهلوا به لغير الله.
فإن قال قائل: إن النصراني إذا سمى الله فإنما يريد به المسيح عليه السلام، فإذا كان إرادته كذلك ولم تمنع صحة ذبيحته وهو مع ذلك مهل به لغير الله، كذلك ينبغي أن يكون حكمه إذا أظهر ما يضمره عند ذكر الله تعالى في إرادته المسيح. قيل له: لا يجب ذلك، لأن الله تعالى إنما كلفنا حكم الظاهر، لأن الإهلال هو إظهار القول، فإذا أظهر اسم غير الله لم تحل ذبيحته لقوله: (وما أهل به لغير الله) وإذا أظهر اسم الله فغير جائز لنا حمله على اسم المسيح عنده، لأن حكم الأسماء أن تكون محمولة على حقائقها ولا