(لا يشرب، لأنها لا تزيده إلا عطشا). وقال مالك والشافعي: (لا يشرب، لأنها لا تزيده إلا عطشا وجوعا). وقال الشافعي: (ولأنها تذهب بالعقل). وقال مالك: (إنما ذكرت الضرورة في الميتة ولم تذكر في الخمر).
قال أبو بكر: في قول من قال إنها لا تزيل ضرورة العطش والجوع لا معنى له من وجهين، أحدهما: أنه معلوم من حالها أنها تمسك الرمق عند الضرورة، وتزيل العطش، ومن أهل الذمة فيما بلغنا من لا يشرب الماء دهرا اكتفاء بشرب الخمر عنه، فقولهم في ذلك غير المعقول المعلوم من حال شاربها. والوجه الآخر: أنه إن كان كذلك كان الواجب أن نحيل مسألة السائل عنها ونقول: إن الضرورة لا تقع إلى شرب الخمر. وأما قول الشافعي في ذهاب العقل فليس من مسئلتنا في شئ، لأنه سئل عن القليل الذي لا يذهب العقل إذا اضطر إليه. وأما قول مالك (إن الضرورة إنما ذكرت في الميتة ولم تذكر في الخمر) فإنها في بعضها مذكورة في الميتة، وما ذكر معها وفي بعضها مذكورة في سائر المحرمات وهو قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام: 119] وقد فصل لنا تحريم الخمر في مواضع من كتاب الله في قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) [البقرة: 269]. وقوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم) [الأعراف: 23] وقال: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه [المائدة: 90] وذلك يقتضي التحريم. والضرورة المذكورة في الآية منتظمة لسائر المحرمات، وذكره لها في الميتة وما عطف عليها غير مانع من اعتبار عموم الآية الأخرى في سائر المحرمات. ومن جهة أخرى أنه إذا كان المعنى في إباحة الميتة إحياء نفسه بأكلها وخوف التلف في تركها وذلك موجود في سائر المحرمات، وجب أن يكون حكمها حكمها لوجود الضرورة، والله أعلم.
باب في مقدار ما يأكل المضطر قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والشافعي فيما رواه عنه المزني: (لا يأكل المضطر من الميتة إلا مقدار ما يمسك به رمقه). وروى ابن وهب عن مالك أنه قال:
(يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها، فإن وجد عنها غنى طرحها). وقال عبد الله بن الحسن العنبري: (يأكل منها ما يسد به جوعه).
قال أبو بكر: قال الله تعالى: (إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام: 119] وقال:
(فمن اضطر غير باغ ولا عاد) فعلق الإباحة بوجود الضرورة، والضرورة هي خوف