بدلالة تقتضي ذلك وتوجبه، كما تقول في الاستثناء بلفظ التخصيص إنه عائد على ما يليه ولا يرد ما تقدمه إلا بدلالة، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) [النساء: 23] إن شرط الدخول عائد على الربائب دون أمهات النساء؟ إذ كان العطف بالفاء يليهن دون أمهات النساء، مع أن هذا أقرب ما ذكرت من عطف قوله تعالى:
(فإن طلقها) على قوله تعالى: (الطلاق مرتان) دون ما يليه في الفدية، لأنك لا تجعله عطفا على ما يليه من الفدية وتجعله عطفا على ما تقدم دون ما توسط بينهما من ذكر الفدية. فأيضا وأيضا فإنا نجعله عطفا على جميع ما تقدم من الفدية ومما تقدمها من التطليقتين على غير وجه الفدية، فيكون منتظما لفائدتين: إحداهما جواز طلاقها بعد الخلع بتطليقتين، والأخرى: بعد التطليقتين إذا أوقعهما على غير وجه الفدية. والله أعلم.
باب المضارة في الرجعة قال الله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) قال أبو بكر: المراد بقوله: (فبلغن أجلهن) مقاربة البلوغ والإشراف عليه لا حقيقته، لأن الأجل المذكور هو العدة، وبلوغه هو انقضاؤها، ولا رجعة بعد انقضاء العدة. وقد عبر عن العدة بالأجل في مواضع، منها قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) ومعناه معنى ما ذكر في هذه الآية، وقال تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) [الطلاق: 4] وقال (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) وقال: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) فكان المراد بالآجال المذكورة في هذه الآي هي العدد، ولما ذكره الله تعالى في قوله:
(فإذا بلغن أجلهن) والمراد مقاربته دون انقضائه، ونظائره كثيرة في القرآن واللغة، قال الله تعالى (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) [الطلاق: 1] ومعناه: إذا أردتم الطلاق وقاربتم أن تطلقوا فطلقوا للعدة، وقال تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) [النحل:
98] معناه: إذا أردت قراءته، وقال: (وإذا قلتم فاعدلوا) [الأنعام: 152] وليس المراد العدل بعد القول، ولكن قبله، يعزم على أن لا يقول إلا عدلا. فعلى هذا ذكر بلوغ الأجل وأراد به مقاربته دون وجود نهايته، وإنما ذكر مقاربته البلوغ عند الأمر بالإمساك بالمعروف وإن كان عليه ذلك في سائر أحوال بقاء النكاح، لأنه قرن إليه التسريح وهو انقضاء العدة، وجمعهما في الأمر والتسريح إنما له حال واحد ليس يدوم، فخص حال بلوغ الأجل بذلك لينتظم المعروف الأمرين جميعا.