كتمانه فهي دالة على امتناع جواز أخذ الأجرة عليه، إذ غير جائز استحقاق الأجر على ما عليه فعله، ألا ترى أنه لا يصح استحقاق الأجر على الاسلام؟ وقد روي أن رجلا قال للنبي عليه السلام: إني أعطيت قومي مائة شاة على أن يسلموا، فقال صلى الله عليه وسلم: (المائة شاة رد عليك، وإن تركوا الاسلام قاتلناهم). ويدل على ذلك من جهة أخرى قوله تعالى:
(ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا) [البقرة: 174]، وظاهر ذلك يمنع أخذ الأجر على الإظهار والكتمان جميعا، لأن قوله تعالى: (ويشترون به ثمنا قليلا، [البقرة: 174] مانع أخذ البدل عليه من سائر الوجوه، إذ كان الثمن في اللغة هو البدل، قال عمر بن أبي ربيعة:
إن كنت حاولت دنيا أو رضيت بها * فما أصبت بترك الحج من ثمن * فثبت بذلك بطلان الإجارة على تعليم القرآن وسائر علوم الدين.
قوله تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) يدل على أن التوبة من الكتمان إنما يكون بإظهار البيان، وأنه لا يكتفى في صحة التوبة بالندم على الكتمان فيما سلف دون البيان فيما استقبل.
باب لعن الكفار قال الله تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فيه دلالة على أن على المسلمين لعن من مات كافرا، وأن زوال التكليف عنه بالموت لا يسقط عنه لعنه والبراءة منه، لأن قوله: (والناس أجمعين) قد اقتضى أمرنا بلعنه بعد موته. وهذا يدل على أن الكافر لو جن لم يكن زوال التكليف عنه بالجنون مسقطا للعنه والبراءة منه. وكذلك سبيل ما يوجب المدح والموالاة من الإيمان والصلاح أن موت من كان كذلك أو جنونه لا يغير حكمه عما كان عليه قبل حدوث هذه الحادثة.
فإن قيل: روي عن أبي العالية أن مراد الآية أن الناس يلعنونه يوم القيامة، كقوله تعالى: (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) [العنكبوت: 25]!
قيل له: هذا تخصيص بلا دلالة، ولا خلاف أنه يستحق اللعن من الله تعالى والملائكة في الدنيا بالآية فكذلك من الناس، وإنما يشتبه ذلك على من يظن أن ذلك إخبار من الله