بإجماع المسلمين لمن احتاج ولم يخف الموت إذا لم يكن عنده شئ فوجب أن يكون المبيح لها الفقر. وأيضا لما كانت هذه الأخبار مختلفا في استعمال حكمها وهي في نفسها مختلفة، واتفق الجميع على استعمال الخبر الذي روينا في مائتي درهم وتحريم الصدقة معها، وجب أن يكون ثابت الحكم، وما عداه إما أن يكون على وجه الكراهة للمسألة أو منسوخة بخبرنا إن كان المراد بها تحريم الصدقة.
باب الربا قال الله تعال: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) إلى قوله: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال أبو بكر: أصل الربا في اللغة هو الزيادة، ومنه الرابية لزيادتها على ما حواليها من الأرض، ومنه الربوة من الأرض وهي المرتفعة، ومنه قولهم (أربى فلان على فلان في القول أو الفعل) إذا زاد عليه. وهو في الشرع يقع على معان لم يكن الاسم موضوعا لها في اللغة، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى النساء ربا في حديث أسامة بن زيد، فقال: (إنما الربا في النسيئة). وقال عمر بن الخطاب: (إن من الربا أبوابا لا تخفى منها السلم في السن) يعني الحيوان: وقال عمر أيضا: (إن آية الربا من آخر ما نزل من القرآن) وإن النبي صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يبينه لنا، فدعوا الربا والريبة)، فثبت بذلك أن الربا قد صار اسما شرعيا: لأنه لو كان باقيا على حكمه في أصل اللغة لما خفي على عمر، لأنه كان عالما بأسماء اللغة لأنه من أهلها.
ويدل عليه أن العرب لم تكن تعرف بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نساء ربا وهو ربا في الشرع، وإذا كان ذلك على ما وصفنا صار بمنزلة سائر الأسماء المجملة المفتقرة إلى البيان، وهي الأسماء المنقولة من اللغة إلى الشرع لمعان لم يكن الاسم موضوعا لها في اللغة، نحو الصلاة والصوم والزكاة، فهو مفتقر إلى البيان، ولا يصح الاستدلال بعمومه في تحريم شئ من العقود إلا فيما قامت دلالته أنه مسمى في الشرع بذلك. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من مراد الله بالآية نصا وتوفيقا، ومنه ما بينه دليلا، فلم يخل مراد الله من أن يكون معلوما عند أهل العلم بالتوقيف والاستدلال.
والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض والدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به، ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد وإذا كان متفاضلا من جنس واحد. هذا كان المتعارف المشهور بينهم، ولذلك قال الله تعالى:
(وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله) [الروم: 39] فأخبر أن تلك الزيادة المشروطة إنما كانت ربا في المال العين لأنه لا عوض لها من جهة المقرض.