معناه أن الملكين لا يعلمان ذلك أحدا، ومع ذلك لا يقتصران على أن لا يعلماه حتى يبالغا في نهيه فيقولا: (إنما نحن فتنة فلا تكفر).
والذي حمله على هذا التأويل استنكاره أن ينزل الله على الملكين السحر مع ذمه السحر والساحر، وهذا الذي ذهب إليه لا يوجب، لأن المذموم من يعمل بالسحر لا من بينه للناس ويزجرهم عنه، كما أن على كل من علم من الناس معنى السحر أن يبينه لمن لا يعلم وينهاه عنه ليجتنبه، وهذا من الفروض التي ألزمنا إياها الله تعالى إذا رأينا من اختدع الله به وتموه عليه أمره.
قوله تعالى: (إنما نحن فتنة فلا تكفر). فإن الفتنة ما يظهر به حال الشئ في الخير والشر، تقول العرب: (فتنت الذهب) إذا عرضته على النار لتعرف سلامته أو غشه.
والاختبار كذلك أيضا، لأن الحال تظهر فتصير كالمخبرة عن نفسها. والفتنة: العذاب، في غير هذا الموضع، ومنه قوله تعالى: (ذوقوا فتنتكم) [الذريات: 14] فلما كان الملكان يظهران حقيقة السحر ومعناه قالا (إنما نحن فتنة) وقال قتادة: (إنما نحن فتنة): بلاء. وهذا سائغ أيضا، لأن أنبياء الله تعالى ورسله فتنته لمن أرسلوا إليهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا. ويجوز أن يريد: أنا فتنة وبلاء، لأن من يعلم ذلك منهما يمكنه استعمال ذلك في الشر ولا يؤمن وقوعه فيه، فيكون ذلك محنة كسائر العبادات. وقولهما: (فلا تكفر) يدل على أن عمل السحر كفر، لأنهما يعلمانه إياه لئلا يعمل به، لأنهما علماهما من ما السحر وكيف الاحتيال ليجتنبه، ولئلا يتموه على الناس أنه من جنس آيات الأنبياء صلوات الله عليهم، فيبطل الاستدلال بها. وقوله تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) يحتمل التفريق من وجهين، أحدهما: أن يعمل به السامع فيكفر فيقع به الفرقة بينه وبين زوجته إذا كانت مسلمة بالردة. والوجه الآخر: أن يسعى بينهما بالنميمة والوشاية والبلاغات الكاذبة والإغراء والإفساد وتمويه الباطل حتى يظن أنه حق فيفارقها.
قوله تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)، الإذن هنا العلم فيكون اسما إذا كان مخففا، وإذا كان محركا كان مصدرا، كما يقول: حذر الرجل حذرا فهو حذر، فالحذر الاسم والحذر المصدر. ويجوز أن يكون مما يقال على وجهين كشبه وشبه ومثل ومثل. وقيل فيه (إلا بإذن الله) أي تخليته. وقال الحسن: (من شاء الله منعه فلم يضره السحر ومن شاء خلى بينه وبينه فضره).
قوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) قيل معناه: من