أحدهما: قوله: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه)، والمنع يكون من وجهين، أحدهما: بالقهر والغلبة، والآخر: الاعتقاد والديانة والحكم، لأن من اعتقد من جهة الديانة المنع من ذكر الله في المساجد فجائز أن يقال فيه قد منع مسجدا أن يذكر فيه اسمه، فيكون المنع ههنا معناه الحظر، كما جائز أن يقال منع الله الكافرين من الكفر والعصاة من المعاصي بأن حظرها عليهم وأوعدهم على فعلها، فلما كان اللفظ منتظما للأمرين وجب استعماله على الاحتمالين وقوله: (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) يدل على أن على المسلمين إخراجهم منها إذا دخلوها لولا ذلك ما كانوا خائفين بدخولها، والوجه الثاني: قوله (وسعى في خرابها) وذلك يكون أيضا من وجهين، أحدهما: أن يخربها بيده، والثاني: اعتقاده وجوب تخريبها، لأن دياناتهم تقتضي ذلك وتوجبه. ثم عطف عليه قوله: (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) وذلك يدل على منعهم منها على ما بينا.
ويدل على مثل دلالة هذه الآية قوله تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) [التوبة: 17] وعمارتها تكون من وجهين، أحدهما: بناؤها واصلاحها، والثاني:
حضورها ولزومها، كما تقول: فلان يعمر مجلس فلان، يعني يحضره ويلزمه. وقال النبي عليه السلام: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) وذلك لقوله عز وجل (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله) فجعل حضوره المساجد عمارة لها.
وأصحابنا يجيزون لهم دخول المساجد، وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
ومما يدل على أنه عام في سائر المساجد وأنه غير مقصور على بيت المقدس خاصة أو المسجد الحرام خاصة، إطلاقه ذلك في المساجد فلا يخص شئ منه إلا بدلالة.
فإن قيل: جائز أن يقال لكل موضع من المسجد مسجد كما يقال لكل موضع من المجلس مجلس، فيكون الاسم واقعا على جملته تارة وعلى كل موضع سجود فيه أخرى؟ قيل له: لا تنازع بين أهل اللسان أنه لا يقال للمسجد الواحد مساجد كما لا يقال أنه مسجدان، وكما لا يقال للدار الواحدة إنها دور، فثبت أن الإطلاق لا يتناوله وإن سمى موضع السجود مسجدا، وإنما يقال ذلك مقيدا غير مطلق وحكم الإطلاق فيما يقتضيه ما وصفنا، وعلى أنك لا تمتنع من إطلاق ذلك في جميع المساجد وإنما تريد تخصيصه ببعضها دون بعض، وذلك غير مسلم لك بغير دلالة.
قوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)، روى أبو أشعث السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: كنا مع