القول في أنها من فاتحة الكتاب قال: أبو بكر: ثم اختلف في أنها من فاتحة الكتاب أم لا، فعدها قراء الكوفيين آية منها ولم يعدها قراء البصريين. وليس عن أصحابنا رواية منصوصة في أنها آية منها، إلا أن شيخنا أبا الحسن الكرخي حكى مذهبهم في ترك الجهر بها، وهذا يدل على أنها ليست منها عندهم، لأنها لو كانت آية منها عندهم لجهر بها كما جهر بسائر آي السور.
وقال الشافعي: هي آية منها، وإن تركها أعاد الصلاة. وتصحيح أحد هذين القولين موقوف على الجهل والإخفاء، على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القول في هل هي من أوائل السور قال: أبو بكر: ثم اختلف في أنها آية من أوائل السور أو ليست بآية منها، على ما ذكرنا من مذهب أصحابنا أنها ليست بآية من أوائل السور، لترك الجهر بها، ولأنها إذا لم تكن من فاتحة الكتاب فكذلك حكمها في غيرها إذ ليس من قول أحد أنها ليست من فاتحة الكتاب وأنها من أوائل السور. وزعم الشافعي أنها آية من كل سورة، وما سبقه إلى هذا القول أحد، لأن الخلاف بين السلف إنما هو في أنها آية من فاتحة الكتاب أو ليست بآية منها، ولم يعدها أحد آية من سائر السور. ومن الدليل على أنها ليست من فاتحة الكتاب حديث سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: مجدني عبدي أو أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: فوض إلي عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذه بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فيقول عبدي: إهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها، قال: لعبدي ما سأل) فلو كانت من فاتحة الكتاب لذكرها فيما ذكر من آي السورة، فدل ذلك على أنها ليست منها.
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عبر بالصلاة عن قراءة فاتحة الكتاب وجعلها نصفين، فانتفى بذلك أن تكون بسم الله الرحمن الرحيم آية منها من وجهين، أحدهما أنه لم يذكرها في القسمة، الثاني أنها لو صارت في القسمة لما كانت نصفين، بل كان يكون ما لله فيها أكثر مما للعبد، لأن بسم الله الرحمن الرحيم ثناء على الله تعالى لا شئ للعبد فيه. فإن قال قائل: إنما لم يذكرها لأنه قد ذكر الرحمن الرحيم في أضعاف السورة، قيل