المقدس، وروي عن الحسن: (بخير منها في الوقت في كثرة الصلاح أو مثلها). فحصل من اتفاق الجميع أن المراد (خير لكم إما في التخفيف أو في المصلحة) ولم يقل أحد منهم: خير منها في التلاوة إذ غير جائز أن يقال إن بعض القرآن خير من بعض في معنى التلاوة والنظم، إذ جميعه معجز كلام الله.
قال أبو بكر وقد احتج بعض الناس في امتناع جواز نسخ القرآن بالسنة، لأن السنة على أي حال كانت لا تكون خيرا من القرآن. وهذا إغفال من قائله من وجوه، أحدها:
أنه غير جائز أن يكون المراد: (بخير منها في التلاوة والنظم) لاستواء الناسخ والمنسوخ في إعجاز النظم. والآخر اتفاق السلف على أنه لم يرد النظم لأن قولهم فيه على أحد المعنيين إما التخفيف أو المصلحة، وذلك قد يكون بالسنة كما يكون بالقرآن ولم يقل أحد منهم إنه أراد التلاوة، فدلالة هذه الآية على جواز نسخ القرآن بالسنة أظهر من دلالتها على امتناع جوازه بها. وأيضا فإن حقيقة ذلك إنما تقتضي نسخ التلاوة، وليس للحكم في الآية لأنه، ذكر قال تعالى (ما ننسخ من آية) والآية إنما هي اسم للتلاوة، وليس في نسخ التلاوة ما يوجب نسخ الحكم، وإذا كان كذلك جاز أن يكون معناه: (ما ننسخ من تلاوة آية أو ننسها نأت بخير منها لكم من محكم من طريق السنة أو غيرها).
وقد استقصينا القول في هذه المسألة في أصول الفقه بما فيه كفاية، فمن أرادها فليطلبها هناك إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) روى معمر عن قتادة في هذه الآية قال: نسختها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5]. وحدثنا أبو محمد جعفر بن محمد الواسطي قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن اليمان قال:
قرئ على أبي عبيد وأنا أسمع قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (لست عليهم بمصيطر) [الغاشية:
22] وقوله تعالى: (وما أنت عليهم بجبار) [ق: 45] وقوله تعالى: (فاعف عنهم واصفح) [المائدة: 13] وقوله تعالى: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) [الجاثية: 14] قال: نسخ هذا كله قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [للتوبة: 5] وقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون) [التوبة: 29] الآية ومثله قوله تعالى (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) وقوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [النحل: 125] وقوله تعالى:
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) [الفرقان: 63] يعني - والله أعلم - متاركة فهذه