وجوب الزكاة لا ينفي بقاء وجوب صدقة الفطر، وعلى أن الأولى أن فرض الزكاة متقدم على صدقة الفطر لأنه لا خلاف بين السلف في أن (حم السجدة) مكية وأنها من أوائل ما نزل من القرآن، وفيها وعيد تارك الزكاة عند قوله: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون) [فصلت: 7] والأمر بصدقة الفطر إنما كان بالمدينة، فدل ذلك على أن فرض الزكاة متقدم لصدقة الفطر. وقد روي عن ابن عمر ومجاهد في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) [الأنعام: 141] أنها محكمة وأنه حق واجب عند القوم غير الزكاة.
وأما الحقوق التي تجب بأسباب من قبل العبد نحو الكفارات والنذور، فلا خلاف أن الزكاة لم تنسخها.
واليتامى المرادون بالآية هم الصغار الفقراء الذين مات آباؤهم، والمساكين مختلف فيه، وسنذكر ذلك في سورة براءة إن شاء الله تعالى، وابن السبيل روي عن مجاهد أنه المسافر، وعن قتادة أنه الضيف. القول الأول أشبه لأنه إنما سمي ابن السبيل لأنه على الطريق، كما قيل للطير الإوز ابن ماء لملازمته له، قال ذو الرمة:
وردت اعتسافا والثريا كأنها * على قمة الرأس ابن ماء محلق والسائلين يعني به الطالبين للصدقة، قال الله تعالى: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) [المعارج: 24 و 25] حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا معاذ بن المثنى قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا مصعب بن محمد قال:
حدثنا يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين بن علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للسائل حق وإن جاء على فرس). حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا عبيد بن شريك: حدثنا أبو الجماهر قال: حدثنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطوا السائل وإن أتى على فرس). والله تعالى أعلم.
قال القصاص قال الله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) هذا كلام مكتف بنفسه غير مفتقر إلى ما بعده، ألا ترى أنه لو اقتصر عليه لكان معناه مفهوما من لفظه واقتضى ظاهره وجوب القصاص على المؤمنين في جميع القتلى؟ والقصاص هو أن يفعل به مثل ما فعل به، من قولك: (اقتص أثر فلان) إذا فعل مثل فعله، قال الله تعالى: (فارتدا على آثارهما