قوله (المسلمون تتكافأ دماؤهم) لا ينفي مكافأة دماء غير المسلمين، وفائدته ظاهرة وهي إيجاب التكافؤ بين الحر والعبد والشريف والوضيع والصحيح والسقيم. فهذه كلها فوائد هذا الخبر وأحكامه. ومن فوائده أيضا إيجاب القود بين الرجل والمرأة وتكافؤ دمائهما، ونفي لأخذ شئ من أولياء المرأة إذا قتلوا القاتل أو إعطاء نصف الدية من مال المرأة مع قتلها إذا كانت هي القاتلة.
فإذا كان قوله عليه السلام: (المسلمون تتكافأ دماؤهم) فقد أفاد هذه المعاني، فهو حكم مقصور على المذكور ولا دلالة فيه على نفي التكافي بينهم وبين غيرهم من أهل الذمة. ويدل على ذلك أنه لم يمنع تكافي دماء الكفار حتى يقاد من بعضهم البعض إذا كانوا ذمة لنا، فكذلك لا يمنع تكافي دماء المسلمين وأهل الذمة.
ومما يدل على قتل المسلم بالذمي اتفاق الجميع على أنه يقطع إذا سرقه، فوجب أن يقاد منه، لأن حرمة دمه أعظم من حرمة ماله، ألا ترى أن العبد لا يقطع في مال مولاه ويقتل به.
واحتج الشافعي بأنه لا خلاف أنه لا يقتل بالحربي المستأمن كذلك لا يقتل بالذمي وهما في تحريم القتل سواء. وقد بينا وجوه الفرق بينهما. والذي ذكره الشافعي من الاجماع ليس كما ظن، لأن بشر بن الوليد قد روى عن أبي يوسف: أن المسلم يقتل بالحربي المستأمن. وأما قول مالك والليث في قتل الغيلة، فإنهما يريان ذلك حدا لا قودا، والآيات التي فيها ذكر القتل لم تفرق بين قتل الغيلة وغيره. وكذلك السنن التي ذكرنا وعمومها يوجب القتل على وجه القصاص على على وجه الحد، فمن خرج عنها بغير دلالة كان محجوجا والله أعلم.
باب قتل الوالد بولده اختلف الفقهاء في قتل الوالد بولده، فقال عامتهم: (لا يقتل وعليه الدية في ماله) قال بذلك أصحابنا والأوزاعي والشافعي، وسووا بين الأب والجد. وقال الحسن بن صالح بن حي: (يقاد الجد بابن الابن) وكان يجيز شهادة الجد لابن ابنه ولا يجيز شهادة الأب لابنه. وقال عثمان البتي: (إذا قتل ابنه عمدا قتل به) وقال مالك: (يقتل به)، وقد حكي عنه أنه إذا ذبحه قتل به وإن حذفه بالسيف لم يقتل به.
والحجة لمن أبى قتله حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقتل والد بولده) وهذا خبر مستفيض مشهور، وقد حكم به عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة من غير خلاف من واحد منهم عليه، فكان بمنزلة