الخطاب بفعل الصوم يتوجه إليه على معنيين، أحدهما: فعله في وقت التكليف، والآخر: قضاؤه في وقت غيره، وإن لم يتوجه إليه الخطاب بفعله في حال الإغماء والنسيان. والله أعلم.
باب الغلام يبلغ والكافر يسلم في بعض رمضان قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقد بينا أن المراد شهود بعضه.
واختلف الفقهاء في الصبي يبلغ في بعض رمضان أو الكافر يسلم، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك بن أنس في الموطأ وعبيد الله بن الحسن والليث والشافعي: (يصومان ما بقي، وليس عليهما قضاء ما مضى ولا قضاء اليوم الذي كان فيه البلوغ أو الاسلام). وقال ابن وهب عن مالك: (أحب إلي أن يقضيه). وقال الأوزاعي في الغلام إذا احتلم في النصف من رمضان: (إنه يقضي ما مضى منه فإنه كان يطيق الصوم) وقال في الكافر إذا أسلم: (لا قضاء عليه فيما مضى). وقال أصحابنا: (يستحب لهما الإمساك عما يمسك عنه الصائم في اليوم الذي كان فيه الاحتلام أو الاسلام).
قال أبو بكر رحمه الله قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقد بينا معناه وأن كونه من أهل التكليف شرط في لزومه، والصبي لم يكن من أهل التكليف قبل البلوغ، فغير جائز إلزامه حكمه. وأيضا الصغر ينافي صحة الصوم، لأن الصغير لا يصح صومه وإنما يؤمر به على وجه التعليم وليعتاده ويمرن عليه، ألا ترى أنه متى بلغ لم يلزمه قضاء الصلاة المتروكة ولا قضاء الصيام المتروك في حال الصغر؟ فدل ذلك على أنه غير جائز إلزامه القضاء فيما تركه في حال الصغر، ولو جاز إلزامه قضاء ما مضى من الشهر لجاز إلزامه قضاء الصوم للعام الماضي إذا كان يطيقه، فلما اتفق المسلمون على سقوط القضاء للسنة الماضية مع إطاقته للصوم، وجب أن يكون ذلك حكمه في الشهر الذي أدرك في بعضه. وأما الكافر فهو في حكم الصبي من هذا الوجه لاستحالة تكليفه للصوم إلا على شرط تقديم الإيمان ومنافاة الكفر لصحة الصوم، فأشبه الصبي، وليسا كالمجنون الذي يفيق في بعض الشهر في إلزامه القضاء لما مضى من الشهر، لأن الجنون لا ينافي صحة الصوم، بدلالة أن من جن في صيامه لم يبطل صومه، وفي هذا دليل على أن الجنون لا ينافي صحة صومه وأن الكفر ينافيها فأشبه الصغير من هذا الوجه وإن اختلفا في باب استحقاق الكافر العقاب على تركه والصغير لا يستحقه. ويدل على سقوط القضاء لما مضى عمن أسلم في بعض رمضان قوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38] وقوله صلى الله عليه وسلم: (الاسلام منه يجب ما قبله) و (الاسلام