حدثنا ابن الأصبهاني قال: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن ابن جندب، أن النبي عليه السلام قال: (حد الساحر ضربه بالسيف). وقصة جندب في قتله الساحر بالكوفة عند الوليد بن عقبة مشهورة. وقوله عليه السلام: (حد الساحر ضربه بالسيف) قد دل على معنيين، أحدهما: وجوب قتله، والثاني: أنه حد لا يزيله التوبة كسائر الحدود إذا وجبت. ولما ذكرنا من قتله على وجه قتل المحارب قالوا فيما حدثنا الحسن بن زياد: إنه إذا قال (كنت ساحرا وقد تبت) أنه لا يقتل، كمن أقر أنه كان محاربا وجاء تائبا أنه لا يقتل، لقوله تعالى في شأن المحاربين: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) [المائدة: 34] فاستثنى التائب قبل القدرة عليه من جملة من أوجب عليه الحد المذكور في الآية. ويستدل بظاهر قوله تعالى:
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) [المائدة: 33] إلى آخر الآية، على وجوب قتل الساحر حدا، لأنه من أهل السعي في الأرض بالفساد لعمله السحر واستدعائه الناس إليه وإفساده إياهم مع ما صار إليه من الكفر.
وأما مالك بن أنس فإنه أجرى الساحر مجرى الزنديق، فلم يقبل توبته كما لا يقبل توبة الزنديق، ولم يقتل ساحر أهل الذمة لأنه غير مستحق للقتل بكفره. وقد أقررناه عليه، فلا يقتل إلا أن يضر بالمسلمين فيكون ذلك عنده نقضا للعهد فيقتل كما يقتل الحربي. وقد بينا موافقة الساحر الذمي للزنديق من قبل أنه استحدث كفرا سرا، لا يجوز إقراره عليه بجزية ولا غيرها، فلا فرق بينه وبين الساحر ممن ينتحل ملة الاسلام، ومن جهة أخرى أنه في معنى المحارب فلا يختلف حكم أهل الذمة ومنتحلي الذمة.
وأما مذهب الشافعي فقد بينا خروجه عن أقاويل السلف، لأن أحدا منهم لم يعتبر قتله بسحره وأوجبوا قتله على الإطلاق بحصول الاسم له، وهو مع ذلك لا يخلو من أحد وجهين في ذكره قتل الساحر بغيره: إما أن يجيز على الساحر قتل غيره من غير مباشرة ولا اتصال سبب إليه على حسب ما يدعيه السحرة، وذلك فظيع شنيع ولا يجيزه أحد من أهل العلم بالله ورسوله من فعل السحرة لما وصفنا من مضاهاته أعلام الأنبياء عليهم السلام. أو أن يكون إنما أجاز ذلك من جهة سقي الأدوية ونحوها، فإن كان هذا أراد فإن من احتال في إيصال دواء إلى انسان حتى شربه فإنه لا يلزمه دية، إذ كان هو الشارب له والجاني على نفسه، كمن دفع إلى انسان سيفا فقتل به نفسه، وإن كان إنما أوجره إياه من غير اختيار لشربه، فإن هذا لا يكاد يقع إلا في حال الإكراه والنوم ونحوه. فإن كان أراد ذلك فإن هذا يستوي فيه الساحر وغيره. ثم قوله: (إذا قال الساحر قد أخطئ وأصيب