ذلك من مذهبه وقوله فيما لم يعضده نص الكتاب، فأما إذا كان عموم الكتاب معاضدا للخبر المختلف في استعماله فإنا لا نعرف قوله فيه. وجائز أن يقال إنه لا يعتبر وقوع الخلاف في استعماله بعد أن يعضده عموم الكتاب، فيستعمل حينئذ مع العام المتفق على استعماله، ويكون ذلك مخصوصا منه. فإن احتجوا بحديث جابر في قصة جيش الخبط وإباحة النبي عليه السلام أكل الحوت الذي ألقاه البحر، فليس عندنا بطاف وإنما الطافي ما مات حتف أنفه في الماء من غير سبب حادث.
ومن الناس من يظن أن كراهة الطافي من أجل بقائه في الماء حتى طفا عليه فيلزموننا عليه الحيوان المذكى إذا ألقي في الماء حتى طفا عليه. وهذا جهل منهم بمعنى المقالة وموضع الخلاف، لأن السمك لو مات ثم طفا على الماء لأكل، ولو مات حتف أنفه ولم يطف على الماء لم يؤكل، والمعنى فيه عندنا هو موته في الماء حتف أنفه لا غير. وقد روى لنا عبد الباقي حديثا وقال لنا إنه حديث منكر، فذكر أنه حدثه به عبيد بن شريك البزاز قال: حدثنا أبو الجماهر قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل ما طفا على البحر)! وأبان بن عياش ليس هو ممن يثبت ذلك بروايته، قال شعبة: لأن أزنى سبعين زنية أحب إلي من أن أروي عن أبان بن عياش.
فإن احتج محتج بقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه) [المائدة: 96] وأنه عموم في الطافي وغيره، قيل له: الجواب عنه من وجهين، أحدهما: أنه مخصوص بما ذكرنا من تحريم الميتة والأخبار الواردة في النهي عن أكل الطافي. والثاني: أنه روي في التفسير في قوله تعالى: (وطعامه) [المائدة: 96] أنه ما ألقاه البحر فمات (وصيده) ما اصطادوا وهو حي، والطافي خارج منهما لأنه ليس مما ألقاه البحر ولا مما صيد، إذ غير جائز أن يقال: اصطاد سمكا ميتا، كما لا يقال: اصطاد ميتا. فالآية لم تنتظم الطافي ولم تتناوله، والله أعلم.
باب أكل الجراد قال أصحابنا والشافعي رضي الله عنهم: لا بأس بأكل الجراد كله ما أخذته وما وجدته ميتا. وروى ابن وهب عن مالك أنه إذا أخذه حيا ثم قطع رأسه وشواه أكل، وما أخذ حيا فغفل عنه حتى مات لم يؤكل، وإنما هو بمنزلة ما لو وجده ميتا قبل أن يصطاده فلا يؤكل، وهو قول الزهري وربيعة. وقال مالك: (وما قتله مجوسي لم يؤكل). وقال الليث بن سعد: (أكره أكل الجراد ميتا فأما الذي أخذته حيا فلا بأس به).