وأما قوله: (أو ضعيفا) فقد قيل فيه الضعيف في عقله أو الصبي المأذون له، لأن ابتداء الآية قد اقتضى أن يكون الذي عليه الحق جائز المداينة والتصرف فأجاز تصرف هؤلاء كلهم، فلما بلغ إلى حال إملاء الكتاب والإشهاد ذكر من لا يكمل لذلك إما لجهل بالشروط أو لضعف عقل لا يحسن معه الإملاء وإن لم يوجب نقصان عقله حجرا عليه، وإما لصغر أو لحرف وكبر سن، لأن قوله تعالى: (أو ضعيفا) محتمل للأمرين وينتظمهما. وذكر معهما من لا يستطيع أن يمل هو إما لمرض أو كبر سن انفلت لسانه عن الإملاء أو لخرس، ذلك كله محتمل. وجائز أن تكون هذه الوجوه مرادة لله تعالى لاحتمال اللفظ لها، وليس في شئ منها دلالة على أن السفيه يستحق الحجر. وأيضا فلو كان بعض من يلحقه اسم السفيه يستحق الحجر لم يصح الاستدلال بهذه الآية في إثبات الحجر، وذلك لأنه قد ثبت أن السفيه لفظ مشترك ينطوي تحته معان مختلفة، منها: ما ذكرنا من السفه في الدين، وذلك لا يستحق به الحجر، لأن الكفار والمنافقين سفهاء وهم غير مستحقين للحجر في أموالهم. ومنها: السفه الذي هو البذاء والتسرع إلى سوء اللفظ، وقد يكون السفيه بهذا الضرب من السفه مصلحا لماله غير مفسده ولا مبذره، إذا وقال تعالى: (إلا من سفه نفسه) [البقرة: 30] قال أبو عبيدة: يريد أهلكها وأوبقها.
وروي عن عبد الله بن عمر حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن يكون رأسي دهينا وقميصي غسيلا وشراك نعلي جديدا، أفمن الكبر هو يا رسول الله؟ قال: (لا: إنما الكبر من سفه الحق وغمص الناس) وهذا يشبه أن يريد: من جهل الحق، لأن الجهل يسمى سفها. والله تعالى أعلم.
ذكر اختلاف فقهاء الأمصار في الحجر على السفيه كان أبو حنيفة رضي الله عنه لا يرى الحجر على الحر البالغ العاقل لا لسفه ولا لتبذير ولا لدين وإفلاس، وإن حجر عليه القاضي ثم أقر بدين أو تصرف في ماله ببيع أو هبة أو غيرهما جاز تصرفه وإن لم يؤنس منه رشد فكان فاسدا ويحال بينه وبين ماله، ومع ذلك إن أقر به لإنسان أو باعه جاز ما صنع من ذلك، وإنما يمنع من ماله ما لم يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإذا بلغها دفع إليه ماله وإن لم يؤنس منه رشد. وقول عبيد الله بن الحسن في الحجر كقول أبي حنيفة: وروى شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال: (لا يحجر على حر). وروى ابن عون عن محمد بن سيرين قال: (لا يحجر على حر إنما يحجر على العبد)، وعن الحسن البصري مثل ذلك. وقال أبو يوسف: (إذا كان سفيها حجرت عليه وإذا فلسته وحبسته حجرت عليه، ولم أجز بيعه ولا شراءه ولا إقراره بدين إلا ببينة تشهد به عليه أنه كان قبل الحجر). وذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران عن ابن سماعة