إتمامه بالدخول فيه موجبا عليه الكفارة عند الإفطار، فكذلك المسافر إذا صام ثم أفطر، وأما إذا أصبح مقيما ثم سافر فأفطر فهو كما وصفنا من وجود الحال المبيحة للإفطار وهي حال السفر، كوجود النكاح وملك اليمين في إباحة الوطء وإن لم يبح وطء الحائض.
فإن قيل: فهذا لم يكن له في ابتداء النهار ترك الصوم لكونه مقيما فينبغي أن يوجب عليه الكفارة، إذ كان فعل الصوم مستحقا عليه في ابتداء النهار، قيل له: لا يجب ذلك، لأنه قد طرئ من الحال ما يمنع وجوب الكفارة وهو ما وصفنا، وأما إذا كان مسافرا فقدم ثم أفطر فلا كفارة عليه، لأنه قد كان له أن لا يصوم بديا فأشبه الصائم في قضاء رمضان وكفارة اليمين ونحوها.
واختلف في المسافر يفطر ثم يقدم من يومه والحائض تطهر في بعض النهار، فقال أصحابنا والحسن بن صالح والأوزاعي: (عليهما القضاء ويمسكان بقية يومهما عما يمسك عنه الصائم) وهو قول عبيد الله بن الحسن. وقال ابن شبرمة في المسافر إذا قدم ولم يأكل شيئا: (إنه يصوم بقية يومه ويقضي، ولو طهرت المرأة من حيضها فإنها تأكل ولا تصوم). وقال ابن القاسم عن مالك في المرأة تطهر والمسافر يقدم وقد أفطر في السفر (أنه يأكل ولا يمسك) وهو قول الشافعي، وروى عن جابر بن زيد مثله. وروى الثوري عن عبد الله أنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ولم يذكر سفيان عن نفسه خلاف ذلك. وقال ابن القاسم عن مالك: (لو أصبح ينوي الإفطار وهو لا يعلم أنه من رمضان فإنه يكف عن الأكل والشرب ويقضي، فإن أكل أو شرب بعد أن علم في يومه ذلك فلا كفارة عليه إلا أن يكون أكل جرأة على ما ذكرت لك، فتجب عليه الكفارة).
قال أبو بكر: لما اتفقوا على أن من غم عليه هلال رمضان فأكل ثم علم به يمسك عما يمسك عنه الصائم، كذلك الحائض والمسافر، والمعنى جامع بينهما أن الحال الطارئة عليهم بعد الإفطار لو كانت موجودة في أول النهار كانوا مأمورين بالصيام، فكذلك إذا طرأت عليهم وهم مفطرون أمروا بالإمساك. ويدل على صحة ذلك أيضا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآكلين يوم عاشوراء بالإمساك مع إيجاب القضاء عليهم، فصار ذلك أصلا في نظائره مما وصفنا. وأما قول مالك في إيجابه الكفارة عليه إذا أكل جرأة على ذلك، فلا معنى له، لأن هذه كفارة يختص وجوبها بإفساد الصوم على وصف، وهذا الآكل لم يفسد صوما بأكله فلا تجب عليه فيه كفارة، والله تعالى أعلم بالصواب.
باب في المسافر يصوم رمضان عن غيره واختلف في المسافر يصوم رمضان عن واجب غيره، فقال أبو حنيفة: (هو عما