للنقصان في غير المقبوض، ألا ترى أن رجلا لو باع من رجل عبدا بألف درهم ولم يقبض ثمنه سنين جاز للمشتري بيعه مرابحة على ألف حالة، ولو كان باعه بألف إلى شهر ثم حل الأجل لم يكن للمشتري بيعه مرابحة بألف حالة حتى يبين أنه اشتراه بثمن مؤجل؟
فدل ذلك على أن الأجل المشروط في العقد يوجب نقصا في الثمن ويكون بمنزلة نقصان الوزن في الحكم، فإذا كان كذلك فالتشبيه بين القرض والبيع من الوجه الذي ذكرنا صحيح لا يعترض عليه هذا السؤال. ويدل على بطلان التأجيل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الربا في النسيئة) ولم يفرق بين البيع والقرض، فهو على الجميع. ويدل عليه أن القرض لما كان تبرعا لا يصح إلا مقبوضا أشبه الهبة فلا يصح فيه التأجيل كما لا يصح في الهبة، وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم التأجيل فيها بقوله: (من أعمر عمري فهي له ولورثته من بعبده) فأبطل التأجيل المشروط في الملك. وأيضا فإن قرض الدراهم عاريتها وعاريتها قرضها، لأنها تمليك المنافع، إذ لا يصل إليها إلا باستهلاك عينها، ولذلك قال أصحابنا: (إذا أعاره دراهم فإن ذلك قرض) ولذلك لم يجيزوا استيجار الدراهم لأنها قرض، فكأنه استقرض دراهم على أن يرد عليه أكثر منها، فلما لم يصح الأجل في العارية لم يصح في القرض.
ومما يدل على أن قرض الدراهم عارية حديث إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تدرون أي الصدقة خير؟) قالوا: الله ورسوله أعلم!
قال: (خير الصدقة المنحة أن تمنح أخاك الدراهم، أو ظهر الدابة، أو لبن الشاة) والمنحة هي العارية، فجعل قرض الدراهم عاريتها، ألا ترى إلى قوله في حديث آخر: (والمنحة مردودة)؟ فلما لم يصح التأجيل في العارية لم يصح في القرض. وأجاز الشافعي التأجيل في القرض، وبالله التوفيق ومنه الإعانة.
باب البيع قوله عز وجل: (وأحل الله البيع) عموم في إباحة سائر البياعات، لأن لفظ البيع موضوع لمعنى معقول في اللغة وهو تمليك المال بمال بإيجاب وقبول عن تراض منهما، وهذا هو حقيقة البيع في مفهوم اللسان، ثم منه جائز ومنه فاسد، إلا أن ذلك غير مانع من اعتبار عموم اللفظ متى اختلفنا في جواز بيع أو فساده. ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية وإن كان مخرجها مخرج العموم فقد أريد به الخصوص، لأنهم متفقون على حظر كثير من البياعات نحو بيع ما لم يقبض وبيع ما ليس عند الانسان وبيع الغرر والمجاهيل وعقد البيع على المحرمات من الأشياء، وقد كان لفظ الآية يوجب جواز هذه البياعات، وإنما خصت منها بدلائل، إلا أن تخصيصها غير مانع اعتبار عموم لفظ الآية فيما لم تقم الدلالة على تخصيصه. وجائز أن يستدل بعمومه على جواز البيع الموقوف