وقال تعالى: (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) [آل عمران: 130] إخبارا عن الحال التي خرج عليها الكلام من شرط الزيادة أضعافا مضاعفة، فأبطل الله تعالى الربا الذي كانوا يتعاملون به وأبطل ضروبا أخر من البياعات وسماها ربا، فانتظم قوله تعالى: (وحرم الربا) تحريم جميعها لشمول الاسم عليها من طريق الشرع، ولم يكن تعاملهم بالربا إلا على الوجه الذي ذكرنا من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل مع شرط الزيادة.
واسم الربا في الشرع يعتوره معان: أحدها الربا الذي كان عليه أهل الجاهلية، والثاني: التفاضل في الجنس الواحد من المكيل والموزون على قول أصحابنا، ومالك بن أنس يعتبر مع الجنس أن يكون مقتاتا مدخرا، والشافعي يعتبر الأكل مع الجنس، فصار الجنس معتبرا عند الجميع فيما يتعلق به من تحريم التفاضل عند انضمام غيره إليه على ما قدمنا. والثالث: النساء، وهو على ضروب: منها في الجنس الواحد من كل شئ لا يجوز بيع بعضه ببعض نساء سواء كان من المكيل أو من الموزون أو من غيره، فلا يجوز عندنا بيع ثوب مروي بثوب مروي نساء لوجود الجنس، ومنها: وجود المعنى المضموم إليه الجنس في شرط تحريم التفاضل وهو الكيل والوزن في غير الأثمان التي هي الدراهم والدنانير، فلو باع حنطة بجص نساء لم يجز لوجود الكيل، ولو باع حديدا بصفر نساء لم يجز لوجود الوزن. والله تعالى الموفق.
ومن أبواب الربا الشرعي السلم في الحيوان قال عمر رضي الله عنه: (إن من الربا أبوابا لا تخفى منها السلم في السن) ولم تكن العرب تعرف ذلك ربا، فعلم أنه قال ذلك توقيفا، فجملة ما اشتمل عليه اسم الربا في الشرع النساء والتفاضل على شرائط قد تقرر معرفتها عند الفقهاء. والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا، والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا) وذكر التمر والملح والذهب والفضة، فسمى الفضل في الجنس الواحد من المكيل والموزون ربا. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد الذي رواه عنه عبد الرحمن بن عباس: (إنما الربا في النسيئة) وفي بعض الألفاظ: (لا ربا إلا في النسيئة) فثبت أن اسم الربا في الشرع يقع على التفاضل تارة وعلى النساء أخرى. وقد كان ابن عباس يقول: (لا ربا إلا في النسيئة، ويجوز بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلا) ويذهب فيه إلى حديث أسامة بن زيد، ثم لما تواتر عنده الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم التفاضل في الأصناف الستة رجع عن قوله. قال جابر بن زيد: رجع ابن عباس عن قوله في الصرف وعن قوله في المتعة. وإنما معنى حديث أسامة النساء في الجنسين، كما روي في حديث عبادة بن الصامت وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحنطة بالحنطة مثلا