ابن جريج قال: قلت لعطاء: مالهم أن ذلك لم يكن يحل لهم أن يغزوا في الشهر الحرام ثم غزوهم بعد فيه! قال: فحلف لي ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا، قال: وما نسخت. وروى سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب:
(أن القتال جائز في الشهر الحرام) وهو قول فقهاء الأمصار. والأول منسوخ بقوله:
(فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5] وقوله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) [التوبة: 29] الآية، لأنها نزلت بعد حظر القتال في الشهر الحرام.
وقد اختلف في السائلين عن ذلك من هم، فقال الحسن وغيره: (إن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام).
وقال آخرون: (المسلمون سألوا عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه). وقيل: إنها نزلت على سبب وهو قتل واقد بن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي مشركا، فقال المشركون قد استحل محمد القتال في الشهر الحرام، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر، فأعلمهم الله تعالى بقاء حظر القتال في الشهر الحرام وأرى المشركين مناقضة بإقامتهم على الكفر مع استعظامهم القتل في الشهر الحرام، مع أن الكفر أعظم الإجرام ومع اخراج أهل المسجد الحرام منه وهم المؤمنون، لأنهم أولى بالمسجد الحرام من الكفار، لقوله: (إنما يعمر مساجد الله، من آمن بالله واليوم الآخر) [التوبة:
18] فأعلمهم الله أن الكفر بالله وبالمسجد الحرام، وهو أن الله جعل المسجد للمؤمنين ولعبادتهم إياه فيه، فجعلوه لأوثانهم ومنعوا المسلمين منه، فكان ذلك كفرا بالمسجد الحرام، وأخرجوا أهله منه - وهم المؤمنون - لأنهم أولى به من الكفار، فأعلمهم الله أن الكفار مع هذه الإجرام أولى بالعيب من قتل رجل من المشركين في الشهر الحرام.
باب تحريم الخمر قال الله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما). هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر، لو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية، وذلك لقوله: (قل فيهما إثم كبير) والإثم كله محرم بقوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم) [الأعراف: 33] فأخبر أن الإثم محرم، ولم يقتصر على اخباره بأن فيها إثما حتى وصفه بأنه كبير، تأكيدا لحظرها.
وقوله: (ومنافع للناس) لا دلالة فيه على إباحتها، لأن المراد منافع الدنيا، وإن في سائر الحرمات منافع لمرتكبيها عند في دنياهم، إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من