المؤجلة ولم تشهدوا عليها. ويحتمل قوله: (فليس عليكم جناح) أنه لا ضرر عليكم في باب حياطة الأموال، لأن كل واحد منهما يسلم ما استحق عليه بإزاء تسليم الآخر.
وقوله: (وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم) عطفا على ذكر المضارة تدل على أن مضارة الطالب للكاتب والشهيد ومضارتهما له فسق، لقصد كل واحد منهم إلى مضارة صاحبه بعد نهي الله تعالى عنها. والله أعلم.
باب الرهن قال الله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) يعني والله أعلم: إذا عدمتم التوثق بالكتاب والإشهاد فالوثيقة برهان مقبوضة، فأقام الرهن في باب التوثق في الحال التي لا يصل فيها إلى التوثق بالكتاب والإشهاد مقامها. وإنما ذكر حال السفر لأن الأغلب فيها عدم الكتاب والشهود، وقد روي عن مجاهد أنه كان يكره الرهن إلا في السفر. وكان عطاء لا يرى به بأسا في الحضر. فذهب مجاهد إلى أن حكم الرهن لما كان مأخوذا من الآية وإنما أباحته الآية في السفر، لم يثبت في غيره. وليس هذا عند سائر أهل العلم كذلك، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار وعامة السلف في جوازه في الحضر. وقد روى إبراهيم عن الأسود عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه). وروى قتادة عن أنس قال: (رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا له عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله)، فثبت جواز الرهن في الحضر بفعله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى (واتبعوه) [الأعراف: 158] وقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب: 21] فدل على أن تخصيص الله لحال السفر بذكر الرهن إنما هو لأن الأغلب فيها عدم الكاتب والشهيد. وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (في خمس وعشرين من الإبل ابنة مخاض وفي ست وثلاثين ابنة لبون) لم يرد به وجود المخاض واللبن بالأم، وإنما أخبر عن الأغلب الأعم من الحال، وإن كان جائزا أن لا يكون بأمها مخاض ولا لبن، فكذلك ذكر السفر هو على هذا الوجه، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في ثمر حتى يؤويه الجرين) والمراد استحكامه وجفافه لا حصوله في الجرين، لأنه لو حصل في بيته أو حانوته بعد استحكامه الله وجفافه فسرقه سارق قطع فيه، فكان ذكر الجرين على الأغلب الأعم من حاله في استحكامه، فكذلك ذكره لحال السفر هو على هذا المعنى.
وقوله: (فرهان مقبوضة) يدل على أن الرهن لا يصح إلا مقبوضا من وجهين، أحدهما: أنه عطف على ما تقدم من قوله: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) فلما كان استيفاء العدد المذكور