وقوله تعالى: (إلا أن يعفون) يدل على بطلان قول من يقول (إن البكر إذا عفت عن نصف الصداق بعد الطلاق أنه لا يجوز) وهو قول مالك، لأن الله تعالى لم يفرق بين البكر والثيب في قوله تعالى (إلا أن يعفون) ولما كان قوله وابتداء خطابه حين قال تعالى:
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) عاما في الأبكار والثيب وجب أن يكون ما عطف عليه من قوله تعالى: (إلا أن يعفون) عاما في الفريقين منهما، وتخصيص الثيب بجواز العفو دون البكر لا دلالة عليه.
وقوله تعالى: (فنصف ما فرضتم) يوجب أن يكون إذا تزوجها على ألف درهم ودفعها إليها ثم طلقها قبل الدخول وقد اشترت بها متاعا، أن يكون لها نصف الألف وتضمن للزوج النصف، وقال مالك: (يأخذ الزوج نصف المتاع الذي اشترته) والله تعالى إنما جعل له نصف المفروض وكذلك المرأة، فكيف يجوز أن يؤخذ منها ما لم يكن مفروضا ولا هو قيمة له؟ وهو أيضا خلاف الأصول، لأن رجلا لو اشترى عبدا بألف درهم وقبض البائع الألف واشترى بها متاعا ثم وجد المشتري بالعبد عيبا فرد، لم يكن له على المتاع الذي اشتراه البائع سبيل، وكان المتاع كله للبائع وعليه أن يرد على المشتري ألفا مثلها. فالنكاح مثله لا فرق بينهما، إذ لم يقع عقد النكاح على المتاع كما لم يقع عقد البيع عليه، وإنما وقع على الألف. والله تعالى أعلم.
باب الصلاة الوسطى وذكر الكلام في الصلاة قال الله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فيه أمر بفعل الصلاة وتأكيد وجوبها بذكر المحافظة، وهي الصلوات الخمس المكتوبات المعهودات في اليوم والليلة، وذلك لدخول الألف واللام عليها إشارة بها إلى معهود. وقد انتظم ذلك القيام بها واستيفاء فروضها وحفظ حدودها وفعلها في مواقيتها وترك التقصير فيها، إذ كان الأمر بالمحافظة يقتضي ذلك كله. وأكد الصلاة الوسطى بإفرادها بالذكر مع ذكره سائر الصلوات، وذلك يدل على معنيين: إما أن تكون أفضل الصلوات وأولاها بالمحافظة عليها فلذلك أفردها بالذكر عن الجملة، وإما أن تكون المحافظة عليها أشد من المحافظة على غيرها. وقد روي في ذلك روايات مختلفة يدل بعضها على الوجه الأول وبعضها على الوجه الثاني، فمنها ما روي عن زيد بن ثابت أنه قال: (هي الظهر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالهجير ولا يكون وراءه إلا الصف أو الصفان والناس في قائلتهم وتجارتهم، فأنزل الله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وفي بعض ألفاظ الحديث: (فكانت أثقل الصلوات على الصحابة فأنزل الله تعالى ذلك). قال زيد بن