واتفق الفقهاء على أن ما عدا هذه الأصناف الثلاثة من الإبل والبقر والغنم ليس من الهدي المراد بقوله (فما استيسر من الهدي) واختلفوا فيما أريد به منها على ما ذكرنا، وظاهر الآية يقتضي دخول الشاة فيه لوقوع الاسم عليها، ولم يختلفوا في معنى قوله: (هديا بالغ الكعبة) [المائدة: 95] أن الشاة منه وأنه يكون هديا في جزاء الصيد. وروى إبراهيم عن الأسود عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى غنما مرة). وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: (كان فيما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنم مقلدة).
فإن قيل: الرواية عن عائشة في هدي الغنم لا يصح، لأن القاسم قد روى عنها أنها كانت لا ترى الغنم مما يستيسر من الهدي قيل له: إنما معناه أنه لا يصير محرما بها وأن هدي الإبل والبقر يوجب الإحرام إذا أراده وقلدهما، وأما اعتبار الثني فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أبي بردة بن نيار حين ضحى قبل الصلاة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعادتها، فقال:
عندي جذعة من المعز خير من شاتي لحم، فقال: (تجزى عنك ولا تجزى عن أحد بعدك) فمنع الجذع في الأضحية، والهدي مثلها، لأن أحدا لم يفرق بينهما، وإنما أجازوا الجذع من الضأن لما روي عن النبي عليه السلام أنه أمر بأن يضحي بالجذع من الضأن إذا فرض له ستة أشهر، وقد بينا ذلك في شرح المختصر.
وقد اختلفوا في جواز الشركة في دم الهدايا الواجبة، فقال أصحابنا والشافعي:
(تجوز البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة). وقال مالك: (يجوز ذلك في التطوع ولا يجزى في الواجب). وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه جعل يوم الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) وتلك كانت واجبة لأنها كانت عن إحصار، ولما اتفقوا على جوازها عن سبعة في التطوع كان الواجب مثله، لأنهما لا يختلفان في الجواز في سائر الوجوه، ويدل عليه قوله (فما استيسر من الهدي) ظاهره يقتضي التبعيض، فوجب أن يجزى بعض الهدي بحق الظاهر، والله أعلم.
باب المحصر أين يذبح الهدي قال الله تعالى: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) واختلف السلف في المحل ما هو، فقال عبد الله بن مسعود وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين: (هو الحرم) وهو قول أصحابنا والثوري. وقال مالك والشافعي: (محله الموضع الذي أحصر فيه فيذبحه ويحل). والدليل على صحة القول الأول أن المحل اسم لشيئين:
يحتمل أن يراد به الوقت، ويحتمل أن يراد به المكان، ألا ترى أن محل الدين هو وقته الذي تجب المطالبة به؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير: (اشترطي في الحج وقولي