ونظيرها أيضا من الآي قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) [المائدة: 45] فأخبر أن ذلك كان مكتوبا على بني إسرائيل. وهو عموم في إيجاب القصاص في سائر المقتولين. وقد احتج أبو يوسف بذلك في قتل الحر بالعبد، وهذا يدل على أن مذهبه أن شريعة من كان قبلنا من الأنبياء ثابتة علينا ما لم يثبت نسخها على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نجد في القرآن ولا في السنة ما يوجب نسخ ذلك، فوجب أن يكون حكمه ثابتا علينا على حسب ما اقتضاه ظاهر لفظه من إيجاب القصاص في سائر الأنفس.
ونظيره أيضا قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم عليكم) [البقرة: 194]، لأن من قتل وليه يكون معتدي عليه، وذلك عموم في سائر القتلى. وكذلك قوله: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) [النحل: 126] يقتضي عمومه وجوب القصاص في الحر والعبد والذكر والأنثى والمسلم والذمي.
مسألة في قتل الحر بالعبد قال أبو بكر: وقد اختلف الفقهاء في القصاص بين الأحرار والعبيد، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر رضي الله عنهم: (لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا في الأنفس ويقتل الحر بالعبد والعبد بالحر) وقال ابن أبي ليلى: (القصاص واجب بينهم في جميع الجراحات التي نستطيع فيها القصاص). وقال ابن وهب عن مالك: (ليس بين الحر والعبد قود في شئ من الجراح والعبد يقتل بالحر ولا يقتل الحر بالعبد). وقال الليث بن سعد: (إذا كان العبد هو الجاني اقتص منه ولا يقتص من الحر للعبد)، وقال:
(إذا قتل العبد الحر فلولي المقتول أن يأخذ بها نفس العبد القاتل فيكون له، وإذا جنى على الحر فيما دون النفس فللمجروح القصاص إن شاء). وقال الشافعي: (من جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه في الجراح، ولا يقتل الحر بالعبد ولا يقتص له منه فيما دون النفس).
وجه دلالة الآية في وجوب القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس، أن الآية مقصورة الحكم على ذكر القتلى وليس فيها ذكر لما دون النفس من الجراح، وسائر ما ذكرنا من عموم آي القرآن في بيان القتلى والعقوبة والاعتداء يقتضي قتل الحر بالعبد، ومن حيث اتفق الجميع على قتل العبد بالحر وجب قتل الحر بالعبد، لأن العبد قد ثبت أنه مراد بالآية، والآية لم يفرق مقتضاها بين العبد المقتول والقاتل، فهي عموم فيها