للنقصان في حال واحد. وهذا مما لا يصح فيه إرادة المعنيين من نفي الأصل وإثبات النقص، ولا يصح قيام الدلالة على إرادتهما.
قال أبو بكر: وإذا ثبت اقتضاؤه لمعنى الأمر انقسم ذلك إلى فرض ونفل فالفرض هو ذكر الله عند افتتاح الصلاة في قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) [الأعلى: 14 - 15] فجعله مصليا عقيب الذكر، فدل على أنه أراد ذكر التحريمة. وقال تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) [المزمل: 8]. قيل إن المراد به ذكر الافتتاح. روي عن الزهري في قوله تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى) [الفتح: 26] قال:
هي بسم الله الرحمن الرحيم، وكذلك هو في الذبيحة فرض، وقد أكده بقوله: (فاذكروا اسم الله عليها صواف) [الحج: 36] وقوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) [الأنعام: 121]. وهو في الطهارة والأكل والشرب وابتداء الأمور نفل. فإن قال قائل هلا أوجبتم التسمية على الوضوء بمقتضى الظاهر لعدم الدلالة على خصوصه مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) قيل له: الضمير ليس بظاهر فيعتبر عمومه، وإنما ثبت منه ما قامت الدلالة عليه، وقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) على جهة نفي الفضيلة لدلائل قامت عليه.
باب القول في أنها من القرآن قال أبو بكر: لا خلاف بين المسلمين في أن (بسم الله الرحمن الرحيم) من القرآن في قوله تعالى: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) [النمل: 30] وروي أن جبريل عليه السلام أول ما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن قال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال له: (اقرأ باسم ربك الذي خلق). وروى أبو قطن عن المسعودي عن الحارث العكلي أن النبي عليه السلام كتب في أوائل الكتب: باسمك اللهم، حتى نزل (بسم الله مجريها ومرساها) [هود: 41] فكتب: بسم الله، ثم نزل قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) [الإسراء: 110] فكتب فوقه: الرحمن، فنزلت قصة سليمان فكتبها حينئذ.
ومما سمعنا في سنن أبي داود، قال: قال الشعبي ومالك وقتادة وثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم حتى نزلت سورة النمل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يكتب بينه وبين سهيل بن عمرو كتاب الهدنة بالحديبية قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال له سهيل: باسمك اللهم، فإنا لا نعرف الرحمن، إلى أن سمح بها بعد. فهذا يدل على أن بسم الله الرحمن الرحيم لم يكن من القرآن، ثم أنزلها الله تعالى في سورة النمل.