ذلك يلزمه كما يلزم المسلم، وأما الصدقة والصوم والحج فلا يلزمه إذا حنث، لأنه لو أوجبه على نفسه لم يلزمه بإيجابه، ولأنه لا يصح منه فعل هذه القرب لأنه لا قربة له، ولذلك لم يلزمه الزكوات والصدقات الواجبة على المسلمين في أموالهم في أحكام الدنيا، فوجب على هذا أن لا يكون موليا بحلفه الحج والعمرة والصدقة والصيام، إذ لا يلزمه بالجماع شئ فكان بمنزلة من لم يحلف، وقوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم) يقتضي عموم المسلم والكافر، ولكنا خصصناه بما وصفنا. وأما إذا حلف بالله تعالى، فإن أبا حنيفة جعله موليا وإن لم تلزمه كفارة في أحكام الدنيا، من قبل أن حكم تسمية الله تعالى قد تعلق على الكافر كهي على المسلم، بدلالة أن إظهار الكافر تسمية الله تعالى على الذبيحة يبيح أكلها كالمسلم، ولو سمى الكافر باسم المسيح لم تؤكل، فثبت حكم تسميته وصار كالمسلم في حكمها، فكذلك الإيلاء لأنه يتعلق به حكمان: أحدهما الكفارة، والآخر: الطلاق، فثبت حكم التسمية عليه في باب الطلاق. ومن الناس من يزعم أن الإيلاء لا يكون إلا بالحلف بالله عز وجل، وأنه لا يكون بحلفه بالعتاق والطلاق والصدقة ونحوها، وهذا غلط من قائله، لأن الإيلاء إذا كان هو الحلف وهو حالف بهذه الأمور ولا يصل إلى جماعها إلا بعتق أو طلاق أو صدقة يلزمه، وجب أن يكون موليا كحلفه بالله، لأن عموم اللفظ ينتظم الجميع، إذ كان من حلف بشئ منه فهو مول.
فصل ومما تفيد هذه الآية من الأحكام ما استدل به منها محمد بن الحسن على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث. فقال: (لما حكم الله للمولى بأحد حكمين من فئ أو عزيمة الطلاق، فلو جاز تقديم الكفارة على الحنث لسقط الإيلاء بغير فئ ولا عزيمة طلاق، لأنه إن حنث لا يلزمه بالحنث شئ، ومتى لم يلزم الحالف بالحنث شئ لم يكن موليا، وفي جواز تقديم الكفارة اسقاط حكم الإيلاء بغير ما ذكر الله، وذلك خلاف الكتاب).
والله الموفق للصواب.
باب الإقراء قال الله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) اختلف السلف في المراد بالقرء المذكور في هذه الآية، فقال علي وعمر وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو موسى: (هو الحيض) وقالوا: (هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة). وروى وكيع عن عيسى الحافظ عن الشعبي عن ثلاثة عشر رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الخبر فالخبر، منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس، قالوا: (الرجل أحق بامرأته ما لم