النساء ما لم تقم الدلالة على خمسة عشر يوما ولم تقم على عشرة ولا على ثلاثة عشر، فلا يكون ذلك طهرا صحيحا، وأيضا لما كان الطهر من الحيض يلزم به الصلوات، أشبه الإقامة، فلما كان أقل الإقامة عندنا خمسة عشر يوما ولم يكن لأكثرها غاية، وجب أن يكون الطهر من الحيض كذلك. وأيضا فإن طريق إثبات مقدار الطهر التوقيف أو الإتفاق، وقد ثبت باتفاق فقهاء السلف أن خمسة عشر يكون طهرا صحيحا واختلفوا فيما دونها، وقفنا عند الإتفاق ولم نثبت ما دونها طهرا لعدم التوقيف والاتفاق فيه. وأما ما حكي عن يحيى بن أكثم من تقديره الطهر تسعة عشر يوما، فإنه يفسد من وجوه، أحدها: أن اتفاق السلف قد سبقه في كون الطهر خمسة عشر فلا يكون خلافا عليهم، ولأن من تقدمه اختلفوا فيه على ثلاثة أوجه: قال عطاء: (خمسة عشر يوما) وقال سعيد بن جبير: ثلاثة عشر يوما) وقال مالك في بعض الروايات: (خمسة عشر) وفي بعضها: (عشرة) ولم يقل أحد منهم تسعة عشر. ويفسد من جهة أنه أثبت له مقدارا من غير توقيف ولا اتفاق، وذلك غير جائز فيما هذا وصفه. وأما احتجاجه بما قدمنا ذكره فلا معنى له ولا يوجب ما ذكرنا، وذلك لأنه معلوم أن ما أقامه الله من الشهر الواحد مقام حيضة وطهر غير مانع وجود حيضة وطهر في أقل من شهر، لأنه لو كان حيضها ثلاثة أيام حصل لها حيضة وطهر في أقل من شهر، وإذا لم يدل إيجاب الله تعالى شهرا عن حيضة وطهر على وجود حيضة وطهر في أقل منه وجاز نقصان الحيض عن عشرة حتى تستوفي لها حيضة وطهر في أقل من شهر وتنقضي عدتها بالحيض في أقل من ثلاثة أشهر وإن لم يجز رسول أن تنقضي عدتها إذا كانت بالشهور في أقل من ثلاثة أشهر، لم يمتنع أن ينقص الطهر بعد استيفاء الحيضة عشرا فيكون أقل من تسعة عشر يوما. فبان بما وصفنا أن ما ذكره ليس بدليل على وجوب الاقتصار في أقل الطهر على تسعة عشر يوما وإنما يدل ذلك على أن الطهر قد يكون هذا القدر، ولا دلالة فيه على أنه لا يكون أقل منه، والله أعلم.
ذكر الاختلاف في الطهر العارض في حال الحيض قال أصحابنا جميعا فيمن ترى يوما دما ويوما طهرا: (إن ذلك كدم متصل) وكذلك قال أبو يوسف: (إذا كان الطهر بين الدمين أقل من خمسة عشر فهو كدم متصل). وقال محمد: (إذا كان الطهر الذي بين الدمين أقل من ثلاثة أيام فهو كدم متصل، وإذا كان ثلاثة أيام أو أكثر من العشرة فإنه ينظر إلى الدمين والطهر الذي بينهما، فإن كان الطهر أكثر منهما فصل بين الدمين، وإن كانا سواء أو أقل فهو كدم متصل، ومتى كان الطهر أكثر من الدمين ففصل بينهما اعتبر كل واحد من الدمين بنفسه، فإن كان الأول منهما ثلاثة أيام فإنه يكون حيضا، وكذلك إن لم يكن الأول ثلاثا وكان الآخر منهما ثلاثا