ابن عباس في قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ثم قال: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا حرج إن أراد أن يفطماه قبل الحولين أو بعده). فأخبر ابن عباس في هذا الحديث أن قوله تعالى: (فإن أرادا فصالا) على ما قبل الحولين وبعده. ويدل عليه قوله تعالى: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم) وظاهره الاسترضاع بعد الحولين، لأنه معطوف على ذكر الفصال الذي علقه بتراضيهما، فأباحه لهما وأباح للأب الاسترضاع بعد ذلك كما أباح لهما الفصال إذا كان فيه صلاح الصبي. ودل ما وصفنا على أن ذكر الحولين إنما هو توقيت لما يلزم الأب في الحكم من نفقة الرضاع ويجبره الحاكم عليه، والله أعلم.
ذكر اختلاف الفقهاء في وقت الرضاع قال أبو بكر: قد كان بين السلف اختلاف في رضاعة الكبير، فروي عن عائشة أنها كانت ترى رضاع الكبير موجبا للتحريم كرضاع الصغير، وكانت تروي في ذلك حديث سالم مولى أبي حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة:
(أرضعيه خمس رضعات ثم يدخل عليك) وكانت عائشة إذا أرادت أن يدخل عليها رجل أمرت أختها أم كلثوم أن ترضعه خمس رضعات ثم يدخل عليها بعد ذلك، وأبى سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقلن: لعل هذه كانت رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم وحده. وقد روي أن سهلة بنت سهيل قالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة). فيحتمل أن يكون ذلك خاصا لسالم كما تأوله سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم، كما خص أبا زياد ابن دينار بالجذعة في الأضحية وأخبر أنها لا تجزي عن أحد بعده. وقد روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن رضاع الكبير لا يحرم، وهو ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فقالت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال صلى الله عليه وسلم: (انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة). فهذا يوجب أن يكون حكم الرضاع مقصورا على حال الصغير وهي الحال التي يسد اللبن فيها جوعته ويكتفي في غذائه به. وقد روي عن أبي موسى أنه كان يرى رضاع الكبير، وروي عنه ما يدل على رجوعه، وهو ما روى أبو حصين عن أبي عطية قال: قدم رجل بامرأته من المدينة، فوضعت فتورم ثديها، فجعل يمجه ويصبه، فدخل في بطنه جرعة منه، فسأل أبا موسى فقال: (بانت منك) فأتى ابن مسعود فأخبره ففصل، فأقبل بالأعرابي إلى الأشعري فقال: