قال فإن: أراد بالمسجد الحرام البيت نفسه، لاتفاق الجميع على أن التوجه إلى المسجد الحرام لا يوجب جواز الصلاة إذا لم يكن متوجها إلى البيت. قيل له: فمن كان في جوف البيت هو متوجه شطر البيت، لأن شطره ناحية، ولا محالة أن من كان فيه فهو متوجه إلى ناحيته، ألا ترى أن من كان خارج البيت فتوجه إليه فإنما يتوجه إلى ناحية منه دون جميعه؟ وكذلك من كان في البيت فهو متوجه شطره، ففعله مطابق لظاهر الآيتين جميعا من قوله تعالى: (طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) وقوله تعالى:
(فول وجهك شطر المسجد الحرام) [البقرة: 144] إذ من كان في البيت فهو متوجه إلى ناحية من البيت ومن المسجد جميعا.
قال أبو بكر: والذي تضمنته الآية من الطواف عام في سائر ما يطاف من الفرض والواجب والندب، لأن الطواف عندنا على هذه الأنحاء الثلاثة، فالفرض هو طواف الزيارة بقوله تعالى: (وليطوفوا بالبيت العتيق) [الحج: 29] والواجب هو طواف الصدر، ووجوبه مأخوذ من السنة بقوله عليه السلام: (من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف) والمسنون والمندوب إليه وليس بواجب طواف القدوم للحج فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة حاجا. فأما طواف الزيارة فإنه لا ينوب عنه شئ، يبقى الحاج محرما من النساء حتى يطوفه. وأما طواف الصدر فإن تركه يوجب دما إذا رجع الحاج إلى أهله ولم يطفه. وأما طواف القدوم فإن تركه لا يوجب شيئا، والله تعالى أعلم بالصواب.
باب ذكر صفة الطواف قال أبو بكر رحمه الله تعالى: كل طواف بعده سعي ففيه رمل في الثلاثة أشواط الأول، وكل طواف ليس بعده سعي بين الصفا والمروة فلا رمل فيه. فالأول مثل طواف القدوم إذا أراد السعي بعده، وطواف الزيارة إذا لم يسع بين الصفا والمروة حين قدم، فإن كان قد سعى حين قدم عقيب طواف القدوم فلا رمل فيه. وطواف العمرة فيه رمل لأن بعده سعيا بين الصفا والمروة. وقد رمل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة حاجا، رواه جابر بن عبد الله وابن عباس في رواية عطاء عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك روى ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في الثلاثة الأشواط من الحجر إلى الحجر). وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عمر من قولهم مثل ذلك. وروى أبو الطفيل عن ابن عباس (إن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الركن اليماني ثم مشى إلى الركن الأسود) وكذلك رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. والنظر يدل على ما رواه الأولون من قبل اتفاق الأولين جميعا على تساوي الأربع الأواخر في المشي فيهن، كذلك يجب أن يستوي الثلاث الأول في الرمل فيهن في جميع الجوانب،