المجنون وحكم جناية العامد لمشاركة المخطئ، والله أعلم.
باب ما يجب لولي قتيل العمد قال الله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى) وقال تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) [المائدة: 45] وقال تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) [الإسراء: 33] وقد اتفقوا أن القود مراد به. وقال تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) [النحل: 126] وقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) [البقرة: 194] فاقتضت هذه الآيات إيجاب القصاص لا غير.
وقد اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد، فقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك بن أنس والثوري وابن شبرمة والحسن بن صالح: (ليس للولي إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضى القاتل). وقال الأوزاعي والليث والشافعي: (الولي بالخيار بين أخذ القصاص والدية وإن لم يرض القاتل). وقال الشافعي: (فإن عفا المفلس عن القصاص جاز ولم يكن لأهل الوصايا والدين منعه، لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشية المجني عليه إذا كان حيا أو بمشيئة الورثة إذا كان ميتا).
قال أبو بكر: ما تقدم ذكره من ظواهر آي القرآن بما تضمنه من بيان المراد من غير اشتراك في اللفظ يوجب القصاص دون المال، وغير جائز إيجاب المال على وجه التخيير إلا بمثل ما يجوز به نسخه، لأن الزيادة في نص القرآن توجب نسخه. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) [النساء: 29] فحظر أخذ مال كل واحد من أهل الاسلام إلا برضاه على وجه التجارة. وبمثله قد ورد الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه) فمتى لم يرض القاتل بإعطاء المال ولم تطب به نفسه فماله محظور على كل أحد. وروي عن ابن عباس - وقد ذكرنا سنده فيما تقدم - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول). وروى سليمان بن كثير قال: حدثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل في عميا أو في زحمة لم يعرف قاتله أو رميا تكون بينهم بحجر أو سوط أو عصا فعقله عقل خطأ، ومن قتل عمدا فقود يديه، فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فأخبر عليه