لوقوع الاسم عليهما، ولأنه قد ثبت باتفاق الجميع أن كل واحد منهما مراد الله تعالى في حال، وحينئذ يكون تقدير الآية: قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا في القود والدية. ولما حصل الاتفاق على أنهما لا يجبان مجتمعين وجب أن يكون وجوبهما على وجه التخيير، وكما احتججتم في إيجاب القود بقوله: (جعلنا لوليه سلطانا) [الاسراء: 33] لاتفاق الجميع على أن القود مراد وصار كالمنصوص عليه فيه وجعلتموه كعموم لفظ القود، فيلزمكم مثله في إثبات المال لوجودنا مقتولين ظلما يكون سلطان الولي هو المال! قيل له: حمله على القود أولى من حمله على الدية، وذلك لأنه لما كان السلطان لفظا مشتركا محتملا للمعاني كان متشابها يجب رده إلى المحكم وحمله على معناه وهي آية محكمة في إيجاب القصاص وهو قوله: (كتب عليكم القصاص في القتلى) فوجب أن يكون من حيث ثبت أن القود مراد بالسلطان المذكور في هذه الآية أن يكون معطوفا على ما في الآية المحكمة من ذكر إيجاب القصاص، وليس معك آية محكمة في إيجاب المال على قاتل العمد، فيكون معنى المتشابه محمولا عليه، فلذلك وجب الاقتصار بمعنى الاسم على القود دون المال وغيره لموافقته لمعنى المحكم الذي لا اشتراك فيه، ومن حمله على تخييره في أخذ الدية أو القود فلم يلجأ إلى أصل له من المحكم يحمله عليه، فلذلك لم يصح إثبات التخيير مع احتمال اللفظ له.
وفي فحوى الآية ما يدل على أن المراد القود دون ما سواه لأنه قال: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) [الإسراء: 33] يعني والله أعلم: السرف في القصاص بأن يقتل غير قاتله أو أن يمثل بالقاتل فيقتله على غير الوجه المستحق من القتل. وفي ذلك دليل على أن المراد بقوله: (سلطانا) القود.
وأيضا لما ثبت أن القود مراد بالآية انتفت إرادة المال، لأنه لو كان مرادا مع القود لكان الواجب هما جميعا في حالة واحدة لا على وجه التخيير، إذ ليس في الآية ذكر التخيير، فلما امتنع إرادتهما جميعا وكان القود لا محالة مرادا علمنا أنه لم يرد المال وأن إيجابنا للدية في بعض المقتولين ظلما ليس عن هذه الآية، والله تعالى أعلم.
باب العاقلة هل تعقل العمد قال الله تعالى: (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) وقد قدمنا تأويل من تأوله على عفو بعض الأولياء عن نصيبه من الدم ووجوب الأرش للباقين واحتمال اللفظ لذلك، وفيه دلالة على أن الواجب على القاتل الذي لم يعف في ماله وكذلك كل عمد فيه القود فهو على الجاني في ماله، كالأب إذا قتل ابنه،