مشهودا) [الإسراء: 78] فتضمنت هذه المخاطبة من عند قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) الأمر بفعل الصلاة واستيفاء فروضها وشروطها وحفظ حدودها، وقوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) تضمن إيجاب القيام فيها. ولما كان القنوت اسما يقع على الطاعة، اقتضى أن يكون جميع أفعال الصلاة طاعة وأن لا يتخللها غيرها، لأن القنوت هو الدوام على الشئ، فأفاد ذلك النهي عن الكلام فيها وعن المشي وعن الاضطجاع وعن الأكل والشرب وكل فعل ليس بطاعة، لما تضمنوا اللفظ من الأمر بالدوام على الطاعات التي هي من أفعال الصلاة، والنهي عن قطعها بالاشتغال بغيرها لما فيه من ترك القنوت الذي هو الدوام عليها، واقتضى أيضا الدوام على الخشوع والسكون لأن اللفظ ينطوي عليه ويقتضيه، فانتظم هذا اللفظ مع قلة حروفه جميع أفعال الصلاة وأذكارها ومفروضها ومسنونها، واقتضى النهي عن كل فعل ليس بطاعة فيها. والله الموفق والمعين.
باب الفرار من الطاعون قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) قال ابن عباس: (كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم الله). وروي عن الحسن أيضا أنهم فروا من الطاعون. وقال عكرمة: (فروا من القتال). وهذا يدل على أن الله تعالى كره فرارهم من الطاعون، وهو نظير قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) [النساء: 78] وقوله تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) [الجمعة: 8] وقوله تعالى: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل) [الأحزاب: 16] وقوله تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) [الأعراف: 34]. وإذا كانت الآجال موقتة محصورة لا يقع فيها تقديم ولا تأخير عما قدرها الله عليه، فالفرار من الطاعون عدول عن مقتضى ذلك، وكذلك الطيرة والزجر والإيمان بالنجوم، كل ذلك فرارا من قدر الله عز وجل الذي لا محيص لأحد عنه.
وقد روي عن عمرو بن جابر الحضرمي يحيى عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف). روى يحيى بن أبي كثير عن سعيد بن المسيب عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شئ فهي في الفرس والمرأة والدار، وإذا سمعتم بالطاعون