انقضاء العدة) وإذا كان ذلك على ما وصفنا كان حظر الانتقال باقيا على المتوفى عنها زوجها. وإنما قالوا: إن المطلقة لا تخرج ليلا ولا نهارا لقوله تعالى: (ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) [الطلاق: 1] وذلك عموم في جميعهن وحظر عن خروجهن في سائر الأوقات. وخالفت المتوفى عنها زوجها من جهة أن نفقة المتوفى عنها زوجها على نفسها ونفقة المطلقة على زوجها فهي مستغنية عن الخروج، والله أعلم.
ذكر إحداد المتوفى عنها زوجها روى عن جماعة من الصحابة أن عليها اجتناب الزينة والطيب، منهم عائشة وأم سلمة وابن عمر، وغيرهم ومن التابعين: سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، وحكاه عن فقهاء المدينة، وهو قول أصحابنا وسائر فقهاء الأمصار لا خلاف بينهم فيه. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت بن أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث قالت زينب: دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالي إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) قالت زينب: ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا). مرأتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول (لا) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي أربعة أشهر وعشرا، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول): قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به، فقلما تفتض هذا بشئ إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. فحظر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الاكتحال في العدة، وأخبر بالعدة التي كانت تعتد إحداهن وما تجتنبه من الزينة والطيب، ثم قال: (إنما هي أربعة أشهر وعشرا) فدل بذلك على أن هذه العدة معتدا بها العدة التي كانت سنة في اجتناب الطيب والزينة.