آخر: وهو أن من علم بالشهر بعدما أصبح، أو كان مريضا فبرأ ولم يأكل ولم يشرب، أو مسافر قدم، فعليهم صومه إذ هم شاهدون للشهر. وأفاد أن فرض الصيام مخصوص بمن شهد الشهر دون غيره، وأن من ليس من أهل التكليف أو ليس بمقيم أو لم يعلم به فغير لازم له. وأفاد تعيين الشهر لهذا الفرض حتى لا يجوز تقديمه عليه ولا تأخيره عنه لمن شهده. وأفاد أن مراده بعض الشهر لا جميعه في شرط لزوم الصوم، وأن الكافر إذا أسلم في بعضه والصبي إذا بلغ فعليهما صوم بقية الشهر. وأفاد أن من نوى بصيامه تطوعا أجزأه، لورود الأمر مطلقا بفعل الصوم غير مخصوص بصفة ولا مقيد بشرط، فاقتصر جوازه على أي وجه صامه. ويحتج به من يقول: إنه إذا صام وهو غير عالم بالشهر لم يجزه، ويحتج به أيضا من يقول: إذا طرأ عليه شهر رمضان وهو مقيم ثم سافر لم يفطر، لقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
فهذا الذي حضرنا من ذكر فوائد قوله: (فمن شهد منكم الشهر) ولا ندفع أن يكون فيه عدة فوائد غيرها لم يحط علمنا بها، وعسى أن نقف عليها في وقت غيره أو يستنبطها غيرنا.
وأما ما تضمنه قوله: (فليصمه) فهو ما قدمنا ذكره من الأمور التي أمرنا بالإمساك عنها في حال الصوم، منها متفق عليه ومنها مختلف فيه، وما قدمناه من ذكر شرائطه وإن لم يكن صوما في نفسه. وقد تقدم بيان حكم المريض والمسافر بعون الله وكرمه.
باب كيفية شهود الشهر قل الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون، ولا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأقدروا له!) قال: وكان ابن عمر إذا كان شعبان تسع وعشرين نظر له، فإن رئي فذلك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب أو قتره أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائما. قال: وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب.
قال أبو بكر: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته) موافق لقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) واتفق المسلمون على معنى الآية والخبر في اعتبار رؤية الهلال في إيجاب صوم رمضان، فدل ذلك على أن رؤية الهلال هي شهود