وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه) فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء يوم مكانه ولم يأمرها باستئناف الصوم إن كان ذلك منه. فدل ذلك على معنيين، أحدهما: أن التتابع غير واجب، والثاني: أنه ليس بأفضل من التفريق، لأنه لو كان أفضل منه لأرشدها النبي عليه السلام إليه وبينه لها.
ومما يدل على ذلك من طريق النظر أن صوم رمضان نفسه غير متتابع وإنما هو في أيام متجاورة، وليس التتابع من شرط صحته، بدلالة أنه لو أفطر منه يوما لم يلزمه استقبال الصوم وجاز ما صام منه غير متتابع، فإذا لم يكن أصله متتابعا فقضاؤه أحرى بأن لا يكون متتابعا، ولو كان صوم رمضان متتابعا لكان إذا أفطر منه يوما لزمه التتابع، ألا ترى أنه إذا أفطر يوما من الشهرين المتتابعين لزمه استئنافهما؟
فإن قيل: قد أطلق الله تعالى صيام كفارة اليمين غير معقود بشرط التتابع، وقد شرطتم ذاك فيه وزدتم في نص الكتاب. قيل له: لأنه قد ثبت أنه كان في حرف عبد الله (متتابعات). وروى يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن عون قال: سألت إبراهيم عن الصيام في كفارة اليمين فقال: كما في قرائتنا (فصيام ثلاثة أيام متتابعات). وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كان أبي يقرأها: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات). وقد بينا ذلك مستقصى في أصول الفقه.
فإن قيل: لما قال الله: (فعدة من أيام أخر) وكان الأمر عندنا جميعا على الفور وجب أن يلزمه القضاء في أول أحوال الإمكان من غير تأخير، وذلك يقتضي تعجيل قضائه يوما بعد يوم، وفي وجوب ذلك إلزام التتابع قيل له: ليس كون الأمر على الفور من لزوم التتابع في شئ، ألا ترى أن ذلك إنما يلزم على الفور على حسب الإمكان وأنه لو أمكنه صوم أول يوم فصامه ثم مرض فأفطر لم يلزمه من كون الأمر على الفور التتابع ولا استئناف اليوم الذي أفطر فيه؟ فدل ذلك على أن لزوم التتابع غير متعلق بكون الأمر بالقضاء على الفور دون المهلة، وأن التتابع له صفة أخرى غيره. والله أعلم.
باب في جواز تأخير قضاء رمضان قال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فأوجب العدة في أيام غير معينة في الآية، فقال أصحابنا: (جائز له أن يصوم أي وقت يشاء) ولا يحفظ عنهم رواية في جواز تأخيره إلى انقضاء السنة. والذي عندي أنه لا يجوز تأخيره إلى أن يدخل رمضان آخر، وهو عندي على مذهبهم، وذلك لأن الأمر عندهم إذا كان غير موقت فهو على الفور، وقد بينا ذلك في أصول الفقه. وإذا كان كذلك فلو لم يكن