ولا تحمل على مالا يقع الاسم عليه عندنا ولا يستحقه. ومع ذلك فليس يمتنع أن تكون العبادة علينا في اعتبار إظهار الاسم دون الضمير، ألا ترى أن من أظهر القول بالتوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم كان حكمه حكم المسلمين مع جواز اعتقاده للتشبيه المضاد للتوحيد؟ وكذلك قال عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقد أعلمه الله أن في القوم منافقين يعتقدون غير ما يظهرون، ولم يجرهم مع ذلك مجرى سائر المشركين بل حكم لهم فيما يعاملون به من أحكام الدنيا بحكم سائر المسلمين على ما ظهر من أمورهم دون ما بطن من ضمائرهم. وكذلك جائز أن تكون صحة ذكاة النصراني متعلقة بإظهار اسم الله تعالى، وأنه متى أظهر اسم المسيح لم تصح ذكاته، كسائر المشركين إذا أظهروا على ذبائحهم أسماء أوثانهم، والله أعلم.
باب ذكر الضرورة المبيحة لأكل الميتة قال الله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) وقال في آية أخرى:
(وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام: 119] وقال: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) [المائدة: 3] فقد ذكر الله تعالى الضرورة في هذه الآيات، وأطلق الإباحة في بعضها بوجود الضرورة من غير شرط ولا صفة، وهو قوله: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام: 119] فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وجدت الضرورة فيها.
واختلف أهل العلم في معنى قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) فقال ابن عباس والحسن ومسروق: (غير باغ) في الميتة (ولا عاد) في الأكل. وهو قول أصحابنا ومالك بن أنس. وأباحوا للبغاة الخارجين على المسلمين أكل الميتة عند الضرورة كما أباحوه لأهل العدل. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: (إذا لم يخرج باغيا على إمام المسلمين ولم يكن سفره في معصية فله أن يأكل الميتة إذا اضطر إليها، وإن كان سفره في معصية أو كان باغيا على الإمام لم يجز له أن يأكل). وهو قول الشافعي.
وقوله: (إلا ما اضطررتم إليه) [المائدة: 3] يوجب الإباحة للجميع من المطيعين والعصاة، وقوله في الآية الأخرى: (غير باغ ولا عاد) وقوله: (غير متجانف لإثم) [المائدة: 3] لما كان محتملا أن يريد به البغي والعدوان في الأكل واحتمل البغي على الإمام أو غيره، لم يجز لنا تخصيص عموم الآية الأخرى بالاحتمال، بل الواجب حمله على ما يواطئ معنى العموم من غير تخصيص. وأيضا فقد اتفقوا على أنه لو لم يكن