رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، ثم أصبحنا فذكرنا ذلك للنبي عليه السلام، فأنزل الله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله).
وروى أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه: أن قوما خرجوا في سفر فصلوا فتاهوا عن القبلة، فلما فرغوا تبين لهم أنهم كانوا على غير القبلة، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (تمت صلاتكم). وروى ابن لهيعة عن بكر بن سوادة، عن رجل سأل ابن عمر عمن يخطئ القبلة في السفر ويصلي، قال: (فأينما تولوا فثم وجه الله). وحدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال: حدثنا محمد بن سليمان الواسطي قال: حدثني أحمد بن عبد الله بن الحسن العنبري، قال: وجدت في كتاب أبي عبيد الله بن الحسن: قال عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة ههنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا قالت طائفة: القبلة ههنا قبل الجنوب، وخطوا خطوطا، فلما أصبحنا وطلعت الشمس وأصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي عليه السلام عن ذلك فسكت، فأنزل الله: (فأينما تولوا فثم وجه الله) أي حيث كنتم.
قال أبو بكر: ففي هذه الأخبار أن سبب نزول الآية كان صلاة هؤلاء الذين صلوا لغير القبلة اجتهادا.
وروي عن ابن عمر في خبر آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته وهو مقبل من مكة نحو المدينة حيث توجهت، وفيه أنزلت: (فأينما تولوا فثم وجه الله). وروى معمر عن قتادة في قوله: (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: هي القبلة الأولى ثم نسختها الصلاة إلى المسجد الحرام. وقيل فيه: أن اليهود أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة بعدما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس، فأنزل الله ذلك، ومن الناس من يقول: إن النبي عليه السلام كان مخيرا في أن يصلي إلى حيث شاء وإنما كان توجه إلى بيت المقدس على وجه الاختيار لا على وجه الإيجاب حتى أمر بالتوجه إلى الكعبة، وكان قوله:
(فأينما تولوا فثم وجه الله) في وقت التخيير قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة.
قال أبو بكر: اختلف أهل العلم فيمن صلى في سفر مجتهدا إلى جهة ثم تبين أنه صلى لغير القبلة وقال أصحابنا جميعا والثوري إن وجد من يسأله فعرفه جهة القبلة فلم يفعل لم تجز صلاته، وإن لم يجد من يعرفه جهتها فصلاها باجتهاده أجزأته صلاته، سواء صلاها مستدبر القبلة أو مشرقا أو مغربا عنها. وروي نحو قولنا عن مجاهد وسعيد بن المسيب وإبراهيم وعطاء والشعبي. وقال الحسن والزهري وربيعة وابن أبي