العلل الشرعية المنصوص عليها منها والمقتضية والمستدل عليها، وهذا مما يستدل به على تخصيص العلل الشرعية، فوجب بما وصفنا أن يكون حكم التحريم مقصورا فيما وصفنا على المشركات منهن دون غيرهم، ويكون ذكر دعائهم إيانا إلى النار تأكيدا للحظر في المشركات غير متعد به إلى سواهن، لأن الشرك والدعاء إلى النار هما علما تحريم النكاح وذلك غير موجود في الكتابيات. وقد قيل إن ذلك في مشركي العرب المحاربين كانوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فنهوا عن نكاحهن لئلا يمكن بهم إلى مودة أهاليهن من المشركين فيؤدي ذلك إلى التقصير منهم في قتالهم دون أهل الذمة الموادين الذين أمرنا بترك قتالهم. إلا أنه إن كان كذلك فهو يوجب تحريم نكاح الكتابيات الحربيات لوجود هذا المعنى، ولا نجد بدا من الرجوع إلى حكم معلول هذه العلة بما قدمنا.
وقوله تعالى: (ولأمة مؤمنة خير من مشركة) يدل على جواز نكاح الأمة مع وجود الطول إلى الحرة، لأن الله تعالى أمر المؤمنين بتزويج الأمة المؤمنة بدلا من الحرة المشركة التي تعجبهم ويجدون الطول إليها، وواجد الطول إلى الحرة المشركة هو واجده إلى الحرة المسلمة، إذ لا فرق بينهما في العادة في المهور، فإذا كان كذلك وقد قال الله تعالى: (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) ولا يصح الترغيب في نكاح الأمة المؤمنة وترك الحرة المشركة إلا وهو يقدر على تزويج الحرة المسلمة، فتضمنت الآية جواز نكاح الأمة مع وجود الطول إلى الحرة، ويدل من وجه آخر على ذلك، وهو أن النهي عن نكاح المشركات عام في واجد الطول وغير واجده للغني والفقير منهم، ثم عقب ذلك بقوله: (ولأمة مؤمنة خير من مشركة) فأباح نكاحها لمن حظر عليه نكاح المشركة، فكان عموما في الغني والفقير موجبا لجواز نكاح الأمة للفريقين.
باب الحيض قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) والمحيض قد يكون اسما للحيض نفسه، ويجوز أن يسمى به موضع الحيض كالمقيل والمبيت هو موضع القيلولة وموضع البيتوتة. ولكن في فحوى اللفظ ما يدل على أن المراد بالمحيض في هذا الموضع هو الحيض، لأن الجواب ورد بقوله: (هو أذى) وذلك صفة لنفس الحيض لا الموضع الذي فيه، وكانت مسألة القوم عن حكمه وما يجب عليهم فيه، وذلك لأنه قد كان قوم من اليهود يجاورونهم بالمدينة وكانوا يجتنبون مؤاكلة