صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
باب الرضاع قال الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) الآية. قال أبو بكر:
ظاهره الخبر، ولكنه معلوم من مفهوم الخطاب أنه لم يرد به الخبر، لأنه لو كان خبرا لوجد مخبره، فلما كان في الوالدات من لا يرضع علم أنه لم يرد به الخبر. ولا خلاف أيضا في أنه لم يرد به الخبر. وإذا لم يكن المراد حقيقة اللفظ الذي هو الخبر، لم يخل من أن يكون المراد إيجاب الرضاع على الأم وأمرها به، إذ قد يرد الأمر في صيغة الخبر، كقوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)، وأن يريد به إثبات حق الرضاع للأم وإن أبى الأب، أو تقدير ما يلزم الأب من نفقة الرضاع. فلما قال في آية أخرى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) [الطلاق: 6] وقال تعالى: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) [الطلاق: 6] دل ذلك على أنه ليس المراد الرضاع شاءت الأم أو أبت، وأنها مخيرة في أن ترضع أو لا ترضع، فلم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو أن الأب إذا أبى استرضاع الأم أجبر عليه، وإن أكثر ما يلزمه في نفقة الرضاع للحولين، فإن أبى أن ينفق نفقة الرضاع أكثر منهما لم يجبر عليه. ثم لا يخلو بعد ذلك قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن) من أن يكون عموما في سائر الأمهات مطلقات كن أو غير مطلقات، أو أن يكون معطوفا على ما تقدم ذكره من المطلقات مقصور الحكم عليهن، فإن كان المراد سائر الأمهات المطلقات منهن والمزوجات فإن النفقة الواجبة للمزوجات منهن هي نفقة الزوجية وكسوتها لا للرضاع، لأنها لا تستحق نفقة الرضاع مع بقاء الزوجية، فتجتمع لها نفقتان إحداهما للزوجية والأخرى للرضاع، وإن كانت مطلقة فنفقة الرضاع أيضا مستحقة بظاهر الآية، لأنه أوجبها بالرضاع، وليست في هذه الحال زوجة ولا معتدة منه، لأنه يكون معطوفا على قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) فتكون منقضية العدة بوضع الحمل، وتكون النفقة المستحقة أجرة الرضاع، وجائز أن يكون طلقها بعد الولادة، فتكون عليها العدة بالحيض.
وقد اختلفت الرواية من أصحابنا في وجوب نفقة الرضاع ونفقة العدة معا، ففي إحدى الروايتين أنها تستحقهما معا، وفي الأخرى أنها لا تستحق للرضاع شيئا مع نفقة العدة.
فقد حوت الآية الدلالة على معنيين، أحدهما: أن الأم أحق برضاع ولدها في