وقت المبدل عنه، وهاهنا إنما جاز تقديم بعض الصيام على وقت الهدي وهو صوم الثلاثة الأيام، والسبعة التي معها غير جائز تقديمها عليه لأنه تعالى قال: (وسبعة إذا رجعتم) فإنما أجيز له من ذلك مقدار ما يحل به يوم النحر إذا لم يجد الهدي. وأيضا فإن الصوم لما كان بدلا من الهدي وهدي العمرة يصح إيجابه بعد إحرام العمرة ويتعلق به حكم التمتع في باب المنع من الإحلال إلى أن يذبحه، فكذلك يجوز الصيام بدلا منه من حيث صح هديا للمتعة، ويدل أيضا على صحة كونه عن المتعة أنه متى بعث بهدي المتعة ثم خرج يريد الإحرام أنه يصير محرما قبل أن يلحقه، فدل ذلك على صحة هدي المتعة بالسوق، فكذلك يصح الصوم بدلا منه إذا لم يجد.
فإن قيل: فقد يصح هديا قبل أن يحرم بالعمرة ولا يجوز الصوم في تلك الحال.
قيل له: قبل إحرام المتعة لم يتعلق به حكم المتعة، والدليل على ذلك أنه لا تأثير له في هذه الحال في حكم الإحرام ووجوده وعدمه سواء، فلم يصح الصوم معه قبل إحرام العمرة، فإذا أحرم بعمرة ثبت لها حكم الهدي في منعه الإحلال، فلذلك جاز الصوم في تلك الحال كما صح هديا للمتعة. ويدل على جواز تقديم الصوم على إحرام الحج أن سنة المتمتع أن يحرم بالحج يوم التروية، وبذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أحلوا من إحرامهم بعمرة، ولا يكون إلا وقد تقدم الصوم قبل ذلك.
باب المتمتع إذ لم يصم قبل يوم النحر قال الله تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) واختلف السلف فيمن لم يجد الهدي ولم يصم الأيام الثلاثة قبل يوم النحر، فقال عمر بن الخطاب وابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم وطاوس: (لا يجزيه إلا الهدي) وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وقال ابن عمر وعائشة: (يصوم أيام منى) وهو قول مالك. وقال علي بن أبي طالب: (يصوم بعد أيام التشريق) وهو قول الشافعي.
قال أبو بكر: قد ثبت عن النبي عليه السلام النهي عن صوم يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق في أخبار متواترة مستفيضة، واتفق الفقهاء على استعمالهما، وأنه غير جائز لأحد أن يصوم هذه الأيام عن غير صوم المتعة لا من فرض ولا من نفل، فلم يجز صومها عن المتعة لعموم النهي عن الجميع، ولما اتفقوا على أنه لا يجوز أن يصوم يوم النحر وهو من أيام الحج للنهي الوارد فيه، كذلك لا يجوز الصوم أيام منى، ولما لم يجز أن يصومهن عن قضاء رمضان لقوله: (فعدة من أيام أخر) وكان الحظر المذكور في هذه الأخبار قاضيا على إطلاق الآية موجبا لتخصيص القضاء في غيرها، وجب أن يكون ذلك