وقوله تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره) غاية التحريم الموقع بالثلاث، فإذا وطئها الزوج الثاني ارتفع ذلك التحريم الموقع وبقي التحريم من جهة أنها تحت زوج كسائر النساء الأجنبيات، فمتى فارقها الثاني وانقضت عدتها حلت للأول. وقوله تعالى: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) مرتب على ما أوجب من العدة على المدخول بها في قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقوله تعالى: (ولا تعزموا عقد النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) [البقرة: 235] ونحوها من الآي الحاظرة للنكاح في العدة. وقوله تعالى: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) نص على ذكر الطلاق، ولا خلاف أن الحكم في إباحتها للزوج الأول غير مقصور على الطلاق وأن سائر الفرق الحادثة بينهما من نحو موت أو ردة أو تحريم بمنزلة الطلاق، وإن كان المذكور نفسه هو الطلاق. وفيه الدلالة أيضا على جواز النكاح بغير ولي لأنه أضاف التراجع إليهما من غير ذكر الولي. وفيه أحكام أخر نذكرها عند ذكرنا لأحكام الخلع بعد ذلك، ولكنا قدمنا ذكر الثالثة لأنه يتصل به في المعنى بذكر الاثنتين وإن تخللهما ذكر الخلع، وبالله التوفيق.
باب الخلع قال الله تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) فحظر على الزوج بهذه الآية أن يأخذ منها شيئا مما أعطاها إلا على الشريطة المذكورة، وعقل بذلك أنه غير جائز له أخذ ما لم يعطها وإن كان المذكور وهو ما أعطاها، كما أن قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) [الإسراء: 23] قد دل على حظر ما فوقه من ضرب أو شتم. وقوله تعالى: (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) قال طاوس:
(يعني فيما افترض على كل واحد منهما في العشرة والصحبة). وقال القاسم بن محمد مثل ذلك. وقال الحسن: (هو أن تقول المراة: والله لا أغتسل لك من جنابة). وقال أهل اللغة: إلا أن يخافا معناه: إلا أن يظنا. وقال أبو محجن الثقفي، أنشده الفراء رحمه الله تعالى:
إذا مت فادفني إلى جب كرمة * تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالعراء فإنني * أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها وقال آخر:
أتاني كلام عن نصيب يقوله * وما خفت يا سلام أنك عائبي يعني: ما ظننت.
وهذا الخوف من ترك إقامة حدود الله على وجهين: إما أن يكون أحدهما سيئ