إذ ليس هو مسفوحا. ولما وصفنا قال أصحابنا: (إن دم البراغيث والبق والذباب ليس بنجس) وقالوا أيضا: (إن دم السمك ليس بنجس لأنه يؤكل بدمه). وقال مالك في دم البراغيث: (إذا تفاحش غسله ويغسل دم الذباب ودم السمك). وقال الشافعي: (لا يفسد الوضوء غلا أن تقع منه نجاسة مندم أو بول أو غيره) فعم الدماء كلها.
فإن قال قائل: قوله: (حرمت عليكم الميتة والدم) [المائدة: 3] وقوله: (أو دما مسفوحا) [الأنعام: 145] يوجب تحريم دم السمك لأنه مسفوح. قيل له: هذا مخصوص بقوله عليه السلام: (أحلت لي ميتتان ودمان السمك والجراد) فلما أباح السمك بما فيه من الدم من غير إراقة دمه، وقد تلقى المسلمون هذا الخبر بالقبول في إباحة السمك من غير إراقة دمه، وجب تخصيص الآية في إباحة دم السمك، إذ لو كان محظورا لما حل دون إراقة دمه كالشاة وسائر الحيوان ذوات الدماء، والله أعلم.
باب تحريم الخنزير قال الله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) وقال تعالى:
(حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) [المائدة: 3] وقال تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) [الأنعام: 145] فنص في هذه الآيات على تحريم لحم الخنزير، والأمة عقلت من تأويله ومعناه مثل ما عقلت من تنزيله، واللحم وإن كان مخصوصا بالذكر فإن المراد جميع أجزائه، وإنما خص اللحم بالذكر لأنه أعظم منفعته وما يبتغى منه، كما نص على تحريم قتل الصيد على المحرم والمراد حظر جميع أفعاله في الصيد، وخص القتل بالذكر لأنه أعظم ما يقصد به الصيد، وكقوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) [الجمعة: 9] فخص البيع بالنهي، لأنه كان أعظم ما يبتغون من منافعهم والمعنى جميع الأمور الشاغلة عن الصلاة. وإنما نص على البيع تأكيدا للنهي عن الاشتغال عن الصلاة، كذلك خص لحم الخنزير بالنهي تأكيدا لحكم تحريمه وحظرا لسائر أجزائه، فدل على أن المراد بذلك جميع أجزائه وإن كان النص خاصا في لحمه.
وقد اختلف الفقهاء في جواز الانتفاع بشعر الخنزير، فقال أبو حنيفة ومحمد:
(يجوز الانتفاع به للخرز). وقال أبو يوسف: (أكره الخرز به وروي عنه الإباحة. وقال الأوزاعي: (لا بأس أن يخاط بشعر الخنزير ويجوز للخراز أن يشتريه ولا يبيعه). وقال الشافعي: (لا يجوز الانتفاع بشعر الخنزير).