كل عصر، لأن أهل كل عصر يجوز أن يسموا أمة إذ كانت الأمة اسما للجماعة التي تؤم جهة واحدة، وأهل كل عصر على حيالهم يتناولهم هذا الاسم، وليس يمنع إطلاق لفظ الأمة والمراد أهل عصر، ألا ترى أنك تقول: أجمعت الأمة على تحريم الله تعالى الأمهات والأخوات، ونقلت الأمة والقرآن، ويكون ذلك إطلاقا صحيحا؟ قيل إن يوجد آخر القوم فثبت بذلك أن مراد الله تعالى بذلك أهل كل عصر، وأيضا فإنما قال الله تعالى:
(جعلناكم أمة وسطا) فعبر عنهم بلفظ منكر حين وصفهم بهذه الصفة وجعلهم حجة، وهذا يقتضي أهل كل عصر، إذ كان قوله: (جعلناكم خطابا للجميع، والصفة لاحقة بكل أمة من المخاطبين، ألا ترى إلى قوله: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق) [الأعراف: 159] وجميع قوم موسى أمة له وسمى بعضهم على الانفراد أمة لما وصفهم بما وصفهم به؟ فثبت بذلك أن أهل كل عصر جائز أن يسموا أمة وإن كان الاسم قد يلحق أول الأمة وآخرها.
وفي الآية دلالة على أن من ظهر كفره نحو المشبهة ومن صرح بالجبر وعرف ذلك منه، لا يعتد به في الاجماع. وكذلك من ظهر فسقه لا يعتد به في الاجماع، من نحو الخوارج والروافض. وسواء من فسق من طريق الفعل أو من طريق الاعتقاد، لأن الله تعالى إنما جعل الشهداء من وصفهم بالعدالة والخير، وهذه الصفة لا تلحق الكفار ولا الفساق. ولا يختلف في ذلك حكم من فسق أو كفر بالتأويل أو برد النص، إذ الجميع شملهم صفة الذم ولا يلحقهم صفة العدالة بحال. والله أعلم.
باب استقبال القبلة قال الله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها). قيل:
إن التقلب هو التحول، وإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقلب وجهه في السماء لأنه كان وعد بالتحويل إلى الكعبة، فكان منتظرا لنزول الوحي به وكان يسأل الله ذلك، فأذن الله تعالى له فيه، لأن الأنبياء صلوات الله عليهم لا يسألون الله إلا بعد الإذن، لأنهم لا يأمنون أن لا يكون فيه صلاح ولا يجيبهم الله فيكون فتنة على قومه. فهذا هو معنى تقلب وجهه في السماء.
وقد قيل فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يحوله الله تعالى إلى الكعبة مخالفة لليهود وتميزا منهم، ويروى ذلك عن مجاهد. وقال ابن عباس: (أحب ذلك لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام). وقيل: إنه أحب ذلك استدعاء للعرب إلى الإيمان، وهو معنى قوله:
(فلنولينك قبلة ترضاها).