قتل أبيه في حال لكان أولى الأحوال بذلك حال من قاتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، إذ ليس يجوز أن يكون أحد أولى باستحقاق العقوبة والذم والقتل ممن هذه حاله، فلما نهاه عليه السلام عن قتله في هذه الحال علمنا أنه لا يستحق قتله بحال. وكذلك قال أصحابنا: إنه لو قذفه لم يحد له، ولو قطع يده لم يقتص منه، ولو كان عليه دين له لم يحبس به، لأن ذلك كله يضاد موجب الآي التي ذكرنا.
ومن الفقهاء من يجعل مال الابن لأبيه في الحقيقة كما يجعل مال العبد، ومتى أخذ منه لم يحكم برده عليه. فلو لم يكن في سقوط القود به، إلا اختلاف الفقهاء في حكم ماله على ما وصفنا لكان كافيا في كونه شبهة في سقوط القود به. وجميع ما ذكرنا من هذه الدلائل يخص آي القصاص ويدل على أن الوالد غير مراد بها، والله أعلم.
باب الرجلين يشتركان في قتل الرجل قال الله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) [النساء:
93]، وقال تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) [النساء: 92]. ولا خلاف أن هذا الوعيد لاحق بمن شارك غيره في القتل، وأن عشرة لو قتلوا رجلا عمدا لكان كل واحد منهم داخلا في الوعيد قاتلا للنفس المؤمنة، وكذلك لو قتل عشرة رجلا خطأ كان كل واحد منهم قاتلا في الحكم للنفس يلزمه من الكفارة ما يلزم المنفرد بالقتل.
ولا خلاف أن ما دون النفس لا يجب فيه كفارة، فيثبت أن كل واحد في حكم من أتلف جميع النفس. وقال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) [المائدة: 32] فالجماعة إذا اجتمعت على قتل رجل فكل واحد في حكم القاتل للنفس، ولذلك قتلوا به جميعا. وإذا كان كذلك، فلو قتل اثنان رجل أحدهما عمدا والآخر خطأ، أو أحدهما مجنون والآخر عاقل، فمعلوم أن المخطئ في حكم آخذ جميع النفس، فيثبت لجميعها حكم الخطأ، فانتفى منهما حكم العمد، إذ غير جائز ثبوت حكم الخطأ للجميع وحكم العمد للجميع.
وكذلك المجنون والعاقل والصبي والبالغ، ألا ترى أنه إذا ثبت حكم الخطأ للجميع وجبت الدية كاملة، وإذا ثبت حكم العمد للجميع وجب القود فيه؟ ولا خلاف بين الفقهاء في امتناع وجوب دية كاملة في النفس ووجوب القود مع ذلك على جهة استيفائهما جميعا، فوجب بذلك أنه متى وجب للنفس المتلفة على وجه الشركة شئ من الدية أن لا يثبت معه قود على أحد، لأن وجوب القود يوجب ثبوت حكم العمد في الجميع، وثبوت حكم العمد في الجميع ينفي وجوب الأرش لشئ منها.