والذي هو مورد النظر الإشارة إلى دلالة هذه الكريمة - على بعض الوجوه المسطورة - على وجوده المقدس - عجل الله تعالى فرجه - وقد مر تفصيله في البحوث المتعلقة بالبلاغة والمعاني.
وإجماله: أن الله تعالى خالق الغيب، وعنده خزائن الغيب، وعالم الغيب والشهادة، فلا يوصف بالغيب، ولا يعبر عنه بالغيب وإن كان ذلك فهو لقرينة تقتضيه.
ثم إن الظاهر عند الفقهاء جواز اغتياب الميت، وذلك لعدم اتصافه بالغائب عرفا، فإن الغائب ما من شأنه أن يحضر ويمكن حضوره، فما هو الغائب عن الحواس على الإطلاق، أو كان حاضرا على الإطلاق، لا يوصف به، فلا يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا ما جاء به الإسلام من الأحكام والإخبار عن المعاد والمبدأ من الغيب، فما هو الغائب حقيقة ينحصر بالمهدي من هذه الأمة، الذي يظهر بعون الله، ويكشف عنهم الغمة، فقوله تعالى: * (يؤمنون بالغيب) * يناسب المذهب المنصور.
ويؤيد ذلك: قوله تعالى في سورة يونس: * (فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * (1) ولو كان المراد أن الغيب من خصائصه تعالى، لما كان وجه لقوله تعالى: * (هو الأول والاخر والظاهر والباطن) * (2)، فهو تعالى أظهر من كل شئ، فكيف يكون هو الغائب حتى يؤمنوا به؟!