والذي هو الأقرب إلى أفق التحقيق بعد هذا البسط البسيط: أن الآية الشريفة ليست إلا في مقام أصل الإيمان بالغيب، ولو كان غيابا، ولا نظر لها إلى مصاديقه ومراتبه، من الغيب المضاف، والغيب المطلق، وغيب الغيوب، فلا وجه لإدراج جميع الأقوال في مفادها، فإن ثبت بدليل متقن شرعي أن الغيب هنا هو المصداق الخاص منه فهو، وإلا فلا معين له حسب الآداب وشؤون البلاغة.
إن قلت: قال أبو مسلم الأصفهاني: إن المراد من * (يؤمنون بالغيب) * هو أنهم حال الغيب يكونون مؤمنين، ومتعلق الإيمان محذوف، لأن النظر إلى إثبات أصل الإيمان حال الغيب، في مقابل المنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم، ونظيره قوله تعالى:
* (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) *.
ثم استشهد لإثبات دعواه: بأن الإيمان بالغيب يلازم العلم به، وهو منفي عنهم، * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) *، وأن الغيب يطلق على ما يصلح للحضور، فلا يطلق عليه تعالى وأحكام المبدأ والمعاد، وأن قوله تعالى: * (الذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك) * هو الإيمان بالغيب، فلو كان مفاد الثالثة ما ذهب إليه جمهور المفسرين يلزم التكرار (1).
قلت: بناء على ما أفاده لا يلزم كون الجار والمجرور في مقام الجملة الحالية وصفة للمؤمنين، بل يتعين أن يقال: إن مقتضى الظاهر هو كون الغيب مورد الإيمان، وأنه ليس من الأمور الراجعة إلى المبدأ