الوجود الكتبي تابع للوجود اللفظي، وإلا يلزم الإخلال بالغرض، فالمطابقة بين الوجودين لازم حتى يكون القارئون على حذر من الخطأ والغلط، وكما لا يجوز زيادة الكتابة على اللفظ، كذلك لا يجوز نقصانها منه، وقد مضى شطر من هذا البحث في بحوث البسملة وكلمة " الرحمن ".
فكمال الخط انطباق المقروء عليه حذو النعل بالنعل، فعلى هذا إما يقرأ الحروف كما كتبت، أو تكتب بصورة الأسماء، وهي هكذا: ألف، لام، ميم، وحيث لا سبيل إلى الأول بالضرورة يتعين الثاني، لاتفاق القراء على هذه الكيفية في القراءة، مع أن مقتضى الفصاحة إبرازها بأسمائها، فإن الطبع لا يقبل غيره، كما ترى.
فالتخلف عن الأصل المزبور ربما كان لأجل أن يحصل التفاوت بين هذه الحروف المقطعة، وبين ما وقع في أول سورة الفيل، وهو قوله تعالى:
* (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) *، وفي سورة الانشراح: * (ألم نشرح لك صدرك) *، أو كان لأجل أن كتابتها بأسمائها ربما يؤدي إلى الإطالة غير اللازمة، كما في * (كهيعص) *، وإن كان ينبغي أن تكتب بأسمائها المقروءة، حتى لا يمكن إحداث الشبهة في بعض السور الاخر، مثل سورة الدهر:
* (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) *، فإن من الممكن توهم: أن " هل " من الحروف المقطعة، ولكن يكذبها اتفاق القراء والسيرة القراءتية عليه.
ويمكن أن يعد هذا أيضا من الأغلاط الإملائية في الكتاب العزيز، فإنها كثيرة، والمتأخرون تحفظا على خصوصيات الكتاب لم يغيروها، أفما ترى أنهم اتفقوا على كتابة " أيها " في قوله تعالى: * (سنفرغ لكم أيه