الثالثة: أنه يجده صاحب الأسماء الجلالية، وأنه الموجود الكامل والمنتقم المالك، أشد المعاقبين في موضع الانتقام والنقمة، وأرفع المتكبرين في محل الكبرياء والعظمة، يعذب من يشاء، فيجد في قلبه منه الخشية والرهب، ويتواضع له قهرا وطبعا لقهره وغضبه، ويترنم بقوله: * (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) *.
ومن هنا يتوجه السالك إلى أن العبادة إما تكون لأجل الاستحقاق الذاتي، فتلك عبادة الأحرار، أو تكون لأجل النعم الظاهرية والباطنية، فتلك عبادة الاجراء، وإما تكون لأجل الخوف من النار والعقوبة، فتلك عبادة العبيد، وإلى هذه المراحل الثلاثة يشير ما عن أمير المؤمنين عليه صلوات المصلين (1).
وغير خفي: أن للعبادة أسبابا دقيقة أخرى، ربما تأتي الإشارة إليها في المقام المناسب، ولا تنحصر بهذه الجهات الثلاث، مثلا: ربما لا يكون العبد خائفا من عذابه ولا طامعا في نعمه ولا مدركا لاستحقاقه الذاتي، بل يعبد لطلبه منه العبادة وأمره استحياء منه جل وعلا، فلولا أمره وتوجيه الخطاب إليه وطلبه منه لما قام لعبادته.
ثم إن معنى * (مالك يوم الدين) *: إن كان أنه مالك العذاب والعقوبة، فهو يكون من الأسماء الجلالية، وإرعابا للخلق وإرهابا منه سبحانه، وأما إذا كان معناه الأعم من الجزاء بالجنة والنار، فلا يتم ما أفيد من النكتة المزبورة في نوع كتب التفسير، أخذا بعضهم من بعض، ولعل أول من أشار